عرف القرن العشرون تأسيس الدولة العربية الحديثة بعد نيل الإستقلال عن الاحتلال العثماني و الإستعمار الأوروبي، و رغم أن ما يجمع العرب أكثر بكثير مما يفرقهم، إلا أن اختلاف الأنظمة الحاكمة في الدول العربية قاد إلى خلافات عربية عربية وصلت في بعض الأحيان إلى حد الاقتتال المباشر بين أبناء الأمة الواحدة، و ما الخلاف الأخير بين قطر من جهة و السعودية و البحرين و الإمارات و مصر من جهة ثانية إلا حلقة جديدة من مسلسل الصراعات هذا الذي نورد لكم هنا أبرز فصوله :
الصراع السعودي الهاشمي :
مع سقوط الدولة العثمانية رفع الهاشميون حكام الحجاز راية الثورة العربية داعين إلى إقامة دولة عربية واحدة تضم بلاد الشام و الجزيرة العربية تحت حكمهم و رعاية حليفتهم بريطانيا، إلا أن الهاشميين اكتفوا بعد اصطدامهم بواقع اتفاقية سايكس بيكو و وعد بلفور بمملكة الحجاز تحت حكم الشريف حسين، و مملكة العراق تحت حكم ابنه فيصل،و إمارة شرق الأردن تحت حكم ابنه الآخر عبد الله، و في الجزيرة العربية كان على الهاشميين مواجهة الطموحات المتعاظمة لعبد العزيز بن سعود حاكم نجد، الذي اجتاح جيشه المدجج بالعقيدة الوهابية مملكة الحجاز الوليدة فاستولى على مكة و المدينة و وصل حتى ميناء جدة، و كاد أن يتمدد شمالاً ليهدد ملك الهاشميين في العراق و شرق الأردن لولا أن الطائرات البريطانية تدخلت لردعه، هذا الصراع بين العائلتين سوف يمتد تأثيره لعقود لاحقة حيث يروى عن الملك حسين حاكم الأردن أنه كان كثيراً ما يحدث زائريه بحزن و هو يشير إلى موقع الأردن على الخريطة قائلاً "هنا ملك بلا مملكة"، ثم يشير إلى موقع السعودية و يقول "و هنا مملكة بلا ملك"، متحسراً على ملك أجداده الهاشميين الذي كان يعتبر بان السعوديين قد قاموا باغتصابه عنوة.
عبد الناصر و خصومه :
شكل وصول جمال عبد الناصر إلى السلطة في مصر حاملاً معه مشروع التحرر الوطني و حلم القومية العربية، تحدياً كبيراً لا لإسرائيل و قوى الإستعمار الغربي فحسب، إنما لأدواتهم من الأنظمة الرجعية العربية أيضاً، و أولى معارك عبد الناصر الكبرى كانت مع نظام الهاشميين في العراق و حكومة نوري السعيد التي رعت تأسيس حلف بغداد المعادي للشيوعية و لمشروع القومية العربية، و قد انتهى هذا الصراع بسقوط النظام الهاشمي بانقلاب عسكري باركته القاهرة عام 1958.
صراع آخر خاضه عبد الناصر ضد نظام كميل شمعون في لبنان، حين دعم الثورة المسلحة ضده و التي كادت أن تطيح به لولا تدخل المارينز الأمريكي الذي أنزل قواته على شواطئ بيروت عام 1958، ما أفضى إلى اتفاق أدى لانتخاب اللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية.
واحدة من أبرز معارك عبد الناصر العربية و أكثرها دموية تمثلت بصراعه مع حاكم العراق عبد الكريم قاسم الذي تحالف مع الحزب الشيوعي و رفض انضمام العراق إثر ثورة 1958 إلى الجمهورية العربية المتحدة، في حين دعم نظام عبد الناصر خصومه من قوميين و بعثيين، و قد انتهى هذا الصراع بانقلاب 8 شباط فبراير 1963 الدموي الذي باركته القاهرة و أدى لمقتل عبد الكريم قاسم و اجتثاث وحشي للشيوعيين العراقيين.
أما أهم صراعات عبد الناصر العربية و أكثر تأثيراً فقد كان صراعه مع العربية السعودية، و الذي وصل إلى حد الحرب المباشرة فيما بينهما في اليمن التي دعمت مصر فيها الجمهوريين بقوات مصرية، في حين دعمت فيها السعودية الإمام المعزول، و يعتقد بعض المؤرخين و من بينهم محمد حسنين هيكل أن ملك السعودية فيصل بن عبد العزيز كان واحداً ممن عرفوا بموعد عدوان 5 حزيران يونيو 1967 قبل وقوعه عن طريق الجانب الإسرائيلي الذي كانت تربطه بالسعودية اتصالات سرية وثيقة، و قد بارك الملك هذا العدوان الذي كان برأيه ضربة لا بد منها لكسر شوكة النظام الناصري و حلفائه السوفييت الذين يمثلون -حسب رأيه- الخطر الأكبر على مملكته و على الإسلام.
الصراع على الصحراء الغربية :
خصومة طويلة و صراع مرير خاضته المغرب و الجزائر على قضية الصحراء الغربية و التي بدأت بعد جلاء الإسبان عن المنطقة عام 1976، حيث أراد المغرب ضم الصحراء إليه في حين دعمت الجزائر جبهة البوليساريو التي نادت باستقلال الصحراء الغربية.
مثل الزعيم الليبي معمر القذافي منذ قيام ثورة الفاتح من أيلول سبتمبر 1969 أحد أهم حلفاء مصر الإقليميين، حيث قامت ليبيا بإغلاق القواعد الأمريكية على أراضيها و التي يعتقد البعض بأنها لعب دوراً هاماً في إلحاق الهزيمة بمصر عام 1967، كما ساهمت ليبيا بسخاء في دعم المجهود الحربي المصري عن طريق تمويل العديد من صفقات الأسلحة للجيش المصري و بخاصة الطائرات الحربية، كما شكل البلدان مع سوريا اتحاد الجمهوريات العربية الذي تم إعلان قيامه عام 1971، إلا أن مبادرة السادات المنفردة للسلام مع كيان الإحتلال أثارت حفيظة العقيد القذافي الذي دعا الليبيين إلى مسيرة كبرى أسماها "مسيرة نحو القاهرة" هدفها تجاوز الحدود بين مصر و ليبيا و تشجيع الشعب المصري على الإنضمام إلى المسيرة لإسقاط نظام السادات، و حين أوقف حرس الحدود المصري المسيرة رد الليبيون بإطلاق نيران مدافعهم على الجانب المصري، فردت مصر بقصف مواقع عسكرية ليبية بالطائرات، و بعد أيام قليلة من المناوشات المتبادلة على طرفي الحدود، تدخلت الجزائر و منظمة التحرير الفلسطينية لإنهاء الحرب و المصالحة ما بين البلدين.
صراع البعثين :
في عام 1963 وصل حزب البعث العربي الإشتراكي إلى السلطة في سوريا من خلال انقلاب عسكري أطلق عليه إسم ثورة الثامن من آذار مارس، في حين وصل البعثيون إلى السلطة في العراق عام 1968 بعد انقلاب أسموه ثورة 17-30 تموز يوليو، و قد أدى صراع الأجنحة داخل حزب البعث لانقسام حاد بين بعث العراق و بعث سوريا بلغ ذورته إثر وصول صدام حسين لرأس السلطة في العراق عام 1979 حيث اشتعلت حرب السيارات المفخخة و العمليات الإرهابية بين البلدين، فدعم العراق جماعة الإخوان المسلمين التي كانت تخوض حرباً مفتوحة مع نظام الرئيس حافظ الأسد، في حين دعمت دمشق حزب الدعوة الشيعي المعارض و الذي كان يسعى لإسقاط نظام صدام حسين بالقوة، الحرب العبثية بين جناحي البعث استمرت لسنوات طويلة و كانت نتيجتها استنزاف الكثير من طاقات البلدين و إزهاق أرواح الآلاف ممن سقطوا نتيجة التفجيرات و الاغتيالات المتبادلة أو نتيجة التعذيب في غياهب السجون حيث كان يلقى كل من يشك بتعاطفه مع الجناح المعارض من الحزب.
غزو الكويت :
ربما كان غزو العراق للكويت عام 1990 نتيجة خلاف حدودي و مالي بين البلدين أسوأ فصل في تاريخ العلاقات العربية العربية حيث مثل تصدعاً خطيراً في النظام الرسمي العربي الذي فشل في حل الأزمة داخل البيت العربي فاستعانت الكويت و السعودية بالولايات المتحدة الأمريكية لطرد الجيش العراقي من الكويت و تدمير العراق و قتل مئات الآلاف من أهله، في حين طالت آثار تلك الحرب المدمرة كافة الشعوب العربية و بخاصة الشعب الفلسطيني.
شاهد أيضاً :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق