فان ليو (1921-2002) هو واحد من الأسماء التي حجزت لنفسها وعن جدارة مكانة مميزة في ذاكرة المصريين وتراثهم من خلال مهنة التصوير الفوتوغرافي التي برع فيها وحولها إلى فن حقيقي، وبخاصة تصوير الأشخاص حيث يعتبر أفضل من صور البورتريه في مصر، لذلك لم يكن غريباً أن نجد كبار الأسماء تتوافد على استديو التصوير الخاص به لالتقاط الصور، من رشدي أباظة وعمر الشريف وسامية جمال وداليدا ومحمد عبد الوهاب، إلى اللواء محمد نجيب والأديب طه حسين والناشطة النسائية درية شفيق وغيرهم.
لكن فتاة واحدة يتذكرها المصور الأرمني الأصل المصري المولد أكثر من غيرها، جاءت ذات يوم من عام 1959 إلى استديو التصوير الخاص به في شارع 26 يوليو، كانت فتاةً من هليوبوليس مصر الجديدة في الخامسة والعشرين من عمرها واسمها نادية، طلبت من فان ليو أن يلتقط لها 12 صورة، في البداية كانت مرتدية كامل ملابسها، ثم بدأت تتعرى شيئًا فشيئًا حتى أصبحت عارية تمامًا، يقول فان ليو : "لم أسألها عن ذلك، فقط كُنت التقط الصور من وراء العدسة".
في منتصف التسعينات عثر المخرج اللبناني أكرم الزعتري على تلك الصور، لم تكن الفتاة التي صورها فان ليو عارية سوى جدته لأمه نادية عبد الواحد، لذلك قرر الزعتري أن يحمل كاميرته ويبحث عن الرجل الذي صور جدته عارية، ليعثر عليه في الطابق الأول من مبني 7 شارع 26 يوليو في وسط القاهرة، لم يكن سوى المصور الشهير فان ليو الذي بلغ حينها عامه السابع والسبعين، التقى الزعتري بالمصور العجوز عام 1998 وصور معه فيلماً بعنوان "هي + هو".
يقول أكرم الزعتري* : "ذهبت إلى فان ليو مع كاميرا فيديو وهو من أمضى خمسين عاماً في العمل على تصحيح السالب وجلاء الصور بشكل متقن، ربما استفزه الفيديوالملون لأنه أحد أسباب تراجع الطلب على الصورة الفوتوغرافية بالأبيض والأسود، مقارناً التصوير بمهنة الخياطة، ليس للمجهود الذي تتطلبه كل منها بل لأن كلتيهما مهنة سبيلها إلى الزوال، قال أن الخياطة تتراجع أمام الثياب الجاهزة، وأضاف فارقاً يميِّز التصوير، هو أن البذلة يبطل طرازها أما الصورة فلا تبطل"
ويضيف الزعتري متحدثاً عن ذلك اللقاء : "يجلس فان ليو أمامي علي كرسيه المجاور للنافذة المطلة على شارع فؤاد في المشغل المخصص للرتوش، ويقول: لو قدِّر لي أن أعود بالزمن إلى الوراء، لما اخترت التصوير مهنة، مع أنني أحب عملي، ولكن المصور لا يمكن أن يغتني، إذا كان التاجر ذكياً أمكنه الوصول إلى الغنى خلال سنتين، لكن أنظر أمضيت خمسين عاماً في المختبر، ماذاحصدت؟ قيمة ضئيلة جداً.. لا شيء. فطوال فترة عمله كمصور، لم يسعَ فان ليو إلى الكسب المادي ولا إلى التقرب من رجال السلطة. وهو من القلائل الذين لم يسعوا للحصول على لقب مصور الملك أو مصور الرئيس كما كان الحال بالنسبة إلى رياض شحاته، أو أرشاك مثلاً".
وينقل الزعتري عن فان ليو فيما يتعلق بالصور العارية بما فيها صورة جدته : "صوَّر فان ليو عدداً كبيراً من صور العري، وكان يتحيَّن وضعاً يسمح له بطلب التعرّي من الماثلات أمامه. يقول: لصور العري طابع شخصي، أولاً يجب أن تتوصل لعلاقة صداقة وطيدة مع الزبونة كي تطلب منها التعري، وإلا كان هذامستحيلاً. كل صور العري التي صورتها مبنية على صداقة حميمة فيما عدا واحدة فقط. كانت سيدة مصرية من هليوبوليس، أرادت أن تتصور 12 صورة مختلفة بكاميرا روليفلكس. في البداية كانت مرتدية كامل ملابسها، ولكنها بدأت بالتعري تدريجياً إلى أن صورتها عارية تماماً. صورتها في 12 وضعية مختلفة وهي تخلع ثيابها تدريجياً، من دون أن أسألها حتى ماذا تعمل، ومن دون أن تكون بيننا أي معرفة سابقة. يرجح فان ليو أن لصورة العري ارتباطاً بالوقت. إذ أن الإنسان يتغير مع الزمن بجسده و ملامح وجهه. والمرأة وعت ذلك برأيه، لذلك تسعى عادة إلى تصوير نفسها في سن النضارة والشباب".
----------------------------------------------------
* "فان ليو صورة ذاتية" مقال لأكرم الزعتري منشور في مجلة الوسط العدد 388 بتاريخ 05-06-1999
شاهد أيضاً :
شاهد أيضاً :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق