ما بين آب أغسطس 1966 و أيلول سبتمبر 1967 نشر الفنان عبد السلام النابلسي سلسلة مقالات في مجلة "الشبكة" اللبنانية تحت عنوان "نجوم على الأرض" تناول في كل حلقة منها واحداً من زملائه الفنانين أوالفنانات، تلك المقالات الخفيفة الظل كانت بمثابة شهادة من النابلسي بأولئك النجوم والنجمات، ومن تلك الشهادات اخترنا لكم هذه المقتطفات التي ننشرها لكم على جزئين، وههنا الجزء الأول :
أم كلثوم : تقف للغناء وكأنها تقف للتاريخ، وعندما تشدو فهي حدث من الأحداث ومعجزة من المعجزات، عقلها على لسانها ولسانها شهد وظرف وإيناس. إذا حسبت للمال حسابه فلأن للمال أرقاماً تحسب، عطاؤها سر، وهباتها سر، حتى هي تكاد تنسى مفتاح هذا السر.
يوسف وهبي : ليس في قلبه غلظة، وليس في كلماته كلمة فظة، نبيل عن أصالة لا عن ظاهرة. وفي لعداوته وصداقته. لا تعرف متى يخدعك ومتى ينصحك .. يمكنه أن ينعزل وحيداً عشرة قرون ولا يمكن أن يجالس ثقيلاً عشر دقائق.
فريد الأطرش : إحساسه مرهف كالسيف ذي الحدين، وهو دائماً يجرح نفسه بالحديث ولا يجرحك، كلمة منك تسعده وكلمة منك تشقيه. حبيب طعام وحبيب دنيا ! وهو لو استطاع لالتهم الطعام والدنيا في طبق واحد ! صديقه صديق عمر وعدوه عدو شهر ! .. ليس في صدره قلب فقلبه على وجهه ! وليس في جيبه مال فماله للناس ! وليس له يوم فهو يسبق يومه لغده !
عبد الحليم حافظ : لا يعرف الإعتدال إلا في قامته. دائم الحرب بين نفسه وعافيته. يهمل الطب والطبيب ويحفل بالحب والحبيب ! يجمح أحياناً جموحاً ويأبى إلا طموحاً ! هو كالزئبق وهل يمسك الزئبق باليدين ؟ إذا وعد فأين منه وعد عرقوب .. فاصبر ألم يصبر من قبلك أيوب ؟ ولكن صداقته صداقة صدق ووفاءه وفاء رق !
إسماعيل ياسين : كافح وجاهد وصبر ومشى على مثل الإبر، حتى ظفر وانتصر ! وتكاثرت عليه الأعباء وأضناه الإرهاق والإعياء، واستمر في العمل وكأنه في خلية نحل، النحل يجني عسلاً أما هو فما الذي جناه ؟ فن ؟؟ مرحى يا فن !! أنه قد فقد صحته وخارت قوته وأصبح لا فن يجديه ولا مجد يشفيه ولا مال عنده للعلاج والحياة يكفيه ! أذاب حياته وأعطاها للناس ملحة وطرفة وضحكة !
فيروز : تراتيل قديسة وأصداء كنيسة. ابتهال ساجد في المساجد وصلاة عابد في المعابد. صوتها نور وبخور ونفحة من عطور ! هو كالصديق عند الضيق يواسيك .. وينسيك .. ويشجيك!
محمد فوزي : هذا الفارس الفنان هوت به فرسه ! وعضه الداء وافترسه ! كان قد أشرق وشاع وذاع في كل البقاع ! ألحان وما أحلى ! وغناء فما أغنى .. وأفلام وما أنجح ! ومصنع، فما أفلح .. واليوم لا لحن يلهم ولا غناء يسمع ولا فيلم يعرض ولا مصنع يصنع .. يقضي نهاره في هم ليله ويقضي ليله في هم نهاره .. لا يعرف لنفسه من جسمه مستقر ! أدبرت عنه أيامه وتفاقمت آلامه وأنشب الداء فيه مخلبه ونابه فعسى ينيله الله ثوابه !
محمد عبد الوهاب : يفهمك بكلمة ولا تفهمه بقاموس ! محيط المحيط .. لا يسبر له غور ولا يحد له مدى .. يبتسم ما حول عينيه ومن خلال جفونه نصف المغمضة يراك عارياً كالقدح ! يشبعك ويرويك ويأخذ منك ما يريد .. ويقنعك بأنك أنت الذي أشبعته وأرويته وأخذت منه ما تريد .. جليس شعر وأدب وحكمة! يعرف متى يأخذ ويعرف ماذا يعطي ويعرف متى يكشف ومتى يغطي. أذنه اليمين تطرب لسيد درويش وأذنه اليسرى تطرب لفردي وبتهوفن وشوبان، وأذنه الباطنية الروحانية يسمع بها إلهام نفسه، وهي التي صنعت أمجاده الخالدة وقممه العالية !
فاتن حمامة : ولدت وعلى جبينها نجمة، وعاشت وفي عينيها طموح، ومشت قدماً تحمل رأساً فيه عقل الدهاة ! الحياة عندها فن والفن عندها حياة ! طاقة ضخمة من الصبر والجلد والمثابرة. نعومة وابتسامة، ولكنها تنازل الأحداث مثل "جان دارك" ! لا تستغيث إلا لتستنهض همّة نفسها .. ولا تستكين إلا لتريح شجاعتها من كثرة النضال !
فريد شوقي : عملاق جسم وعملاق فن وعملاق أخلاق. زوج وأب و"الزير سالم" .. الأصدقاء بالنسبة له كالماء والهواء. لا غنى له عن السهرة والمتعة والضحكة والنكتة. ذو مروءة لا يخلف وعداً ولا ينكث عهداً. مبذر لا يملك ثروة تتناسب مع شهرته.
يتبع ..
شاهد أيضاً :