يعلم كل من تصدى لتأليف الكتب بأنها مهمة صعبة تحتاج إلى صفاء ذهني وتوازن نفسي وفكري لا يتوفر عادة إلا في مناخ ينطوي على الحد الأدنى من الهدوء والأمان، وهو أمر يصعب أن يتوفر إلا فيما ندر لدى نزلاء السجون والمعتقلات، لذلك لم يكن من قبيل المصادفة أن نجد أن بعض أكثر الكتابات تطرفاً في التاريخ قد خرجت إلينا من غياهب السجون وزنازينها المظلمة، سواء كان التطرف الذي احتوته هذه الكتب دينياً أوسياسياً أو حتى جنسياً، ومن هذه الكتب اخترنا لكم ثلاثة أمثلة معروفة تنتمي إلى مراحل زمنية مختلفة:
1. معالم في الطريق (سيد قطب)
ألف الكاتب الإسلامي وعضو جماعة الإخوان المسلمين سيد قطب هذا الكتاب خلال مكوثه في السجن بعد حملة الاعتقالات التي طالت أفراد الجماعة إثر اتهام أحد أعضائها بمحاولة اغتيال رئيس الوزراء المصري آنذاك جمال عبد الناصر في حادثة المنشية الشهيرة عام 1954، حيث مكث قطب في السجن لنحو عقد من الزمن حتى خروجه منه بعفو صحي و بوساطة من الرئيس العراقي عبد السلام عارف عام 1964، الكتاب احتوى أفكار سيد قطب حول بناء الدولة الإسلامية والمجتمع الإسلامي، وقد ركز فيه بشكل خاص على مفهوم حاكمية الله، والذي يعني أن التشريع من اختصاص الله وحده، وأن على الأنظمة أن تخضع في قوانينها وتشريعاتها لحاكمية الله وإلا وقعت في الشرك.
أفكار سيد قطب هذه اعتبرها كثيرون مغالية ومتطرفة حيث أنها تقود عند تطبيقها على الأنظمة والمجتمعات المعاصرة إلى اعتبارها جميعها كافرة، حتى داخل جماعة الإخوان نشأ تيار معارض لأفكار قطب وآخر متحمس لها عرف بالتيار القطبي، وهو انقسام ما تزال آثاره بادية داخل الجماعة حتى يومنا هذا.
الكتاب صدر لأول مرة عام 1964 عن مكتبة وهبة في عدد محدود من النسخ قبل أن يتم لاحقاً سحبه من الأسواق بعد أن تنبهت السلطات لخطورته، لكن الكتاب اكتسب في العقود اللاحقة أهمية كبيرة لدى جماعة الإخوان و غيرها من التيارات الجهادية خاصة إثر إعادة اعتقال مؤلفه وإعدامه على يد السلطات المصرية عام 1966 بعد اتهامه بقيادة تنظيم سري مسلح، كان ينوي اغتيال رئيس الجمهورية وشن عمليات تخريبية ضد المصالح الحكومية والمنشآت العامة.
اليوم يعتبر كثير من الباحثين في تاريخ التيارات الإسلامية هذا الكتاب المرجع الذي قامت على أساسه أفكار معظم جماعات العنف الديني والسلفية الجهادية بما فيها تنظيم القاعدة، الذي خرج زعيمه الحالي المصري أيمن الظواهري أساسأً من عباءة الإخوان المسلمين، وتحديداً من التيار القطبي في الجماعة.
2. كفاحي (أدولف هتلر)
ألف الزعيم النازي أدولف هتلر كتابه الشهير "كفاحي" خلال مكوثه في سجن لاندسبرج إثر محاولة الإنقلاب الفاشلة التي قام بها الحزب عام 1923 ضد حكومة فايمار، حيث صدرت النسخة الأولى من الكتاب بعد خروج هتلر من السجن عام 1925، وقد روى فيه قصة نشأته وشبابه المبكر في فيينا، وذكرياته عن الحرب العالمية الأولى التي خدم خلالها كجندي في الجيش الألماني على الجبهة الغربية، كما شرح فيه مبادئه وأفكاره وخطته لإقامة الرايخ الألماني الثالث، حيث ألقى باللائمة في هزيمة المانيا في الحرب على اليهود والشيوعيين الذين وعلى حد تعبيره طعنوا الجيش الألماني في الظهر في وقت كان قد أوشك فيه على تحقيق الانتصار في الحرب، كما دعا في الكتاب إلى تمزيق معاهدة فرساي التي جلبت على المانيا الذل والمهانة، وأكد على تفوق الجنس الألماني وضرورة الحفاظ على نقاءه من خلال منع اختلاطه بالأجناس الأدنى وخاصة اليهود.
في البداية ظل الكتاب مغموراً ولم تبع منه إلا بضع آلاف من النسخ داخل المانيا، ولكن وبعد وصول هتلر وحزبه النازي إلى السلطة عام 1933 أصبح الكتاب مطلوباً في المانيا وخارجها، فطبعت منه ملايين النسخ ووزع في مختلف أنحاء المانيا، كما ترجم إلى لغات أجنبية عديدة ووزع في العديد من بلدان العالم.
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 بهزيمة المانيا المدوية وانتحار هتلر مع زوجته ايفا براون وسط أنقاض مبنى المستشارية ببرلين، تم الكشف عن الفظائع التي ارتبكها النازيون داخل معسكرات الاعتقال بوحي من أفكار هتلر العنصرية، فتم لعقود لاحقة حظر الكتاب في المانيا والعديد من دول العالم باعتباره يحض على الكراهية والعنصرية ومعاداة السامية.
3. 120 يوم في سدوم ( الماركيز دو ساد)
ألف النبيل الفرنسي وفيلسوف السادية الماركيز فرانسوا دو ساد هذه الرواية التي تعرف أيضاً باسم "مدرسة الخلاعة" عام 1785 خلال مكوثه في سجن الباستيل الشهير بباريس بأمرملكي بسبب فضائحه الأخلاقية.
تتناول الرواية قصة أربعة رجال أثرياء يقررون أن يقوموا بتجربة أقصى درجات الإشباع الجنسي، وذلك بأن يعزلوا أنفسهم مدة أربعة أشهر في قلعة نائية في منطقة سان مارتن دي بيلفيل في فرنسا، برفقة ست وثلاثين ضحية من الذكور والإناث معظمهم من المراهقين، و قد ذهب دو ساد في هذه الرواية بعيداً في وصف الممارسات الجنسية الشاذة ومشاهد التعذيب الجسدي.
المخطوطة الأصلية للكتاب كانت قد اختفت إثر قيام الثورة الفرنسية وقيام الثوار باقتحام الباستيل، ولسنوات طويلة ساد اعتقاد بأن المخطوطة قد ضاعت للأبد، قبل أن يعاد اكتشافها في برلين مطلع القرن العشرين على يد أحد هواة جمع المخطوطات النادرة، حيث طبعت لأول مرة في فرنسا عام 1904، كما تم تحويلها عام 1975 إلى فيلم سينمائي من إخراج الإيطالي بيير باولو بازوليني، و قد تم حظرالرواية والفيلم على حد سواء في العديد من دول العالم بسبب محتواهما الجنسي والعنيف.
شاهد أيضاً: