الوقت بعد ظهر يوم الخميس الثالث من تشرين الأول أكتوبر 1957، المكان مطار بيروت الدولي، أكمل طاقم الطائرة الاستعدادات الروتينية لإنطلاق رحلة الخطوط الوطنية اللبنانية (اير ليبان) رقم 30249 من بيروت إلى البحرين مروراً بالكويت، واستوى ركابها الثلاثة والعشرون على مقاعدهم، وأقفلت كوة الحمولة على كنز مكون من خمسة عشر صندوقاً محكمة الإغلاق تحتوي على 400 كغ من سبائك الذهب الخالص، كان من المفترض أن تحملها الطائرة إلى وجهتها النهائية في البحرين.
انطلقت الطائرة كما هو مقرر، وبعد 17 دقيقة من الإقلاع ولدى وصولها الى أجواء مدينة صيدا، ورد إتصال من قائد الطائرة شكرالله أبي سمرا يفيد بصوت مضطرب أن حريقاً نشب في محركات الطائرة طالباً العودة إلى المطار فوراً، رد برج المراقبة في مطار بيروت بالموافقة، وبدأت فوراً عملية إخلاء المدارج وأعطيت الأوامر لسيارات الإطفاء والإسعاف لتكون على أهبة الاستعداد، وبعدها بدقيقتين اتصل الطيار مجدداً بصوت مرتعد يقول: "لن أنجح في الوصول إلى المطار، أنا على ارتفاع 6000 قدم والطائرة تسقط"، تضاعفت الإجراءات الوقائية في المطار، ثم جاءت كلمات الطيار شكر الله الأخيرة : "أصبحت على ارتفاع 1500 قدم، فقدت السيطرة على كل شيء،لن اتمكن من العودة، ليست غلطتي .. ليست غلطتي!" لينقطع الإتصال بعدها بشكل نهائي مع طاقم الطائرة.
هكذا سقطت طائرة الكوريتس سي 46 على بعد 18 كيلومتراً من مطار بيروت، وعلى مسافة لا تزيد عن 13 كيلومتراً من الشاطئ اللبناني، ورغم أن سقوطها جاء في بحر هادىء وضحل نسبياً، فقد اختفى كل أثر للطائرة، ولم يتم العثور على حطامها إلى يومنا هذا، ولا على جثث الضحايا الـ 27 وهم ركاب الطائرة الـ 23 (أغلبهم لبنانيون) و طاقمها المكون من 4 أفراد، والذين قضوا جميعأً حرقاً أو غرقاً، الأمر الذي شكل لغزاً محيراً، خاصة أن العمق الأقصى المحيط بالمياه الإقليمية اللبنانية لا يزيد عن 1400 متراً فقط!
هكذا اختفت الطائرة واختفت معها حمولة الـ 400 كغ من الذهب الخالص، ما دفع السلطات اللبنانية تحت ضغط شركة التأمين إلى التحقيق حول إمكانية عدم صعود الذهب الى الطائرة أصلاً، أو إن كان في الأمر شبهة جنائية، إلا أن التحقيقات لم تصل لنتيجة، بل ضاعفت الأسئلة حول حقيقة ما حدث، والسبب الحقيقي وراء اختفاء الطائرة بهذا الشكل الغامض.
هكذا تطلب الأمر 35 سنة من المماطلة والدعاوى القضائية حتى استجابت شركة التأمين البريطانية "لويدز إنشورانس" لدفع قيمة التأمين على الطائرة، فقد كانت تأمل الوصول إلى صناديق السبائك الذهبية لتعوض جزءاً من خسارتها الفادحة، الأمر الذي لم يحصل، في حين سرت شائعات كثيرة حول سبب اختفاء الطائرة، فقيل أن هناك من منع الوصول إليها، أو أن الذهب قد أخذ من الطائرة، أو أنه لم يصعد إلى متنها من الأساس، وإن تلاعباً ما تم في سجلات الطيران المدني، وإن أحداً من أهل النفوذ تمكن من تدبر أمر تعطيل الطائرة لتسقط، ثم أخفى حطامها بطريقة ما.
جهات عديدة حاولت الوصول إلى حطام الطائرة خلال العقود الست الماضية من بينها مغامرون وصيادو كنوز ذوو شهرة عالمية ولكن دون جدوى، وحتى اليوم لم يعرف أحد ما إذا كانت إحدى الجهات التي بحثت عن الذهب قد انتشلته سراً وتقاسمته مع جهات لبنانية نافذة، أو أنه لا يزال غارقاً في مكان ما في بحر بيروت، الثابت فقط أنه بعد نحو ستين عاماً على الحادث، خفتت الأصوات المطالبة باستذكار الضحايا، وطويت ذكرى هؤلاء إلى الأبد، لكن الشهية للكنز النفيس مازالت مفتوحة، والأسئلة المطروحة حول الحادث تكبر وتزداد كلما ورد ذكر لغز طائرة الكوريتس سي 46.
شاهد أيضاً:
أعرق 5 خطوط جوية عربية