شكل فيلم "باب الحديد" إنتاج 1958 علامة فارقة في تاريخ السينما المصرية وسينما المخرج الكبير يوسف شاهين، حيث أن الأبعاد النفسية لشخصيات الفيلم، وبخاصة شخصية "قناوي" الفتى الأعرج الذي يدفعه الكبت الجنسي ومشاعر الغيرة لارتكاب جريمة قتل مروعة مسرحها محطة القطارات التي يعمل فيها كبائع صحف، أخرجت الفيلم من عباءة الأفلام الكلاسيكية الساذجة التي كانت تعتمد على كليشيهات سينمائية محفوظة ومكررة، وأحلت مكانها نوعاً من الواقعية سواء في شخوص العمل أو حتى في مكان التصوير نفسه، حيث خرج شاهين من استديوهات التصوير المغلقة إلى محطة مصر المكتظة بالناس والشخصيات.
"أنتيكا" تستعرض معكم بعضاً من الحقائق المثيرة للاهتمام والتي لا يعرفها كثيرون حول هذه الأيقونة السينمائية الخالدة :
- كان "باب الحديد" مهدداً بعدم الترخيص للسيناريو من قبل وزارة الداخلية، إذ وصل إلى إدارة الرقابة خطاب يحمل صفة "سري وعاجل" صادر من إدارة الأمن العام في وزارة الداخلية، يطلب من الرقابة رفض السيناريو ومنع إجازته نهائياً، بحجة أن العمال وقتها كانوا قد دخلوا في مواجهة مفتوحة مع نظام ثورة يوليو، بعد إعدام ثلاثة من زملائهم، والفيلم يحرض العمال على إنشاء نقابات للحصول على حقوقهم في مواجهة السلطة، إلا أن الرقابة كانت قد وافقت على السيناريو بالفعل قبل وصول خطاب الأمن العام، ما أوقع الأديب الراحل يحيى حقي مدير الرقابة وقتها في مأزق، خشية رفع شاهين دعوى قضائية ضد الرقابة ووزارة الثقافة ومطالبتها بتعويض مادي وأدبي، ولحسن الحظ مر تصوير الفيلم بسلام، لكن يوم عرضه سينمائياً على الرقابة لإجازته، نشبت معركة كلامية عنيفة بين يوسف شاهين ومندوب وزارة الداخلية، بعدما طلب منع المشهد الذي يتحدث عن ضرورة تكوين نقابة للشيالين لحمايتهم من استغلال البلطجية، إلا أن شاهين أصر على وجوده استناداً إلى أن القانون يجيز شرعية تكوين النقابات العمالية.
- أسند المخرج يوسف شاهين دور "أبو سريع" للوجه الجديد آنذاك محمود مرسي، ليكون أول أدواره الرئيسية في السينما المصرية، إلا أن ضعف الأجر المعروض للدور جعل محمود مرسي يتراجع عن الظهور في الفيلم، فأسند الدور للفنان فريد شوقي بدلاً منه.
- عند عرضه لأول مرة عام 1958 لاقى فيلم "باب الحديد" فشلاً جماهيرياً كبيراً حيث رفض الجمهور الإقبال عليه رغم وجود أسماء لامعة في قائمة أبطال الفيلم أبرزهم فريد شوقي "ملك الترسو" آنذاك، ولم يلاق الفيلم الصدى المطلوب إلا لدى طبقة المثقفين، فتم رفعه من دور العرض بعد طرحه بمدة قصيرة، ما أصاب مؤلفه عبد الحي أديب ومخرجه يوسف شاهين بحالة من الإحباط الشديد، إلا أن الجمهور أعاد اكتشاف العمل بعد سنوات طويلة فأعيد الاعتبار لفيلم "باب الحديد" باعتباره واحداً من أفضل 10 أفلام في تاريخ السينما المصرية.
- وضع الموسيقى التصويرية للفيلم الملحن والمؤلف الموسيقي الكبير فؤاد الظاهري الذي مزج أصوات عدة آلات موسيقية مع أصوات القطارات للإيحاء بأجواء ملحمية درامية، وقد وضع فؤاد الظاهري إلى جانب موسيقى "باب الحديد" الموسيقى التصويرية لعدد من أهم الأعمال في تاريخ السينما المصرية مثل : "رد قلبي"، "الزوجة الثانية"، و"أميرة حبي أنا".
- تسبب فيلم "باب الحديد" بوقوف يوسف شاهين أمام محكمة الجنح بتهمة التمثيل ! حيث تقدمت نقابة المهن التمثيلية بشكوى ضده للنيابة وذلك لمزاولته مهنة التمثيل دون انضمامه للنقابة أو الحصول على تصريح منها بالتمثيل، ما عرض يوسف شاهين لعقوبة الحبس ثلاثين يومًا مع غرامة خمسين جنيهًا.
شاهد أيضاً :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق