شالوم وأحمد الحداد "عبده" في لقطة من فيلم "العز بهدلة" عام 1937
من بين الأسماء التي برزت في تلك الفترة أسماء عديدة تنتمي للطائفة اليهودية، أو للجاليات الأجنبية التي كانت تعيش في مصر، و"ليو آنجل" أو "شالوم" هو واحد من هؤلاء الرواد الذين ساعدوا السينما المصرية على شق طريقها وسط العوائق والصعوبات.
ولد ليو آنجل في الاسكندرية عام 1900 لأسرة بسيطة ذات أصول يونانية وتنتمي للطائفة اليهودية التي كانت آنذاك قبل ظهور لوثة العنصرية الصهيونية في المنطقة جزءاً أصيلاً من نسيج الشعب المصري. عمل ليو في عدد من المهن البسيطة لكنه عشق الفن وبخاصة التمثيل، فانضم مبكراً إلى فرقة فوزي الجزايرلي المسرحية التي كانت تقدم أعمالها المسرحية في مقهى قريب من مسجد الإمام البوصيري في حي الانفوشي.
ومع بدايات السينما في مصر تعرف ليو على المخرج والمنتج السينمائي توجو مزراحي الذي قدمه عام 1930 في فيلم حمل بداية عنوان "الهاوية" قبل أن يتم تغيير إسمه بعد بداية عرضه إلى "الكوكايين" وهو عبارة من ميلودراما تتناول قضية إدمان الكوكايين التي كان يعاني منها المجتمع المصري في ذلك الوقت.
توجو مزراحي
الانطلاقة الحقيقية للثناني ليو ومزراحي جاءت مع الشخصية الكوميدية "شالوم" التي قدمها ليو لأول مرة على شاشة السينما من خلال فيلم "05001" مطلع عام 1933. يقول الإعلان الرسمي للفيلم : "05001 أول رواية مصرية تظهر قوة المصري الكامنة أخرجها الأستاذ توجو مزراحي مخرج ومؤلف رواية الهاوية أو الكوكايين التي نالت استحسان الجميع وقد قام بتمثيل أهم أدوارها الممثل الكوميدي الشهير شالوم".
وشخصية شالوم التي قدّمت في فيلم "05001" والأفلام اللاحقة هي شخصية المتشرد أوالصعلوك، أي أنها شخصية الإنسان البسيط والفقير ذو الحظ العاثر في الحياة، وهي لا تختلف من حيث هذه الصفات عن الشخصية التي قدمها تشارلي تشابلن في السينما العالمية أو الشخصيات التي قدمها كوميديون آخرون في السينما العربية في السنوات اللاحقة.
في عام 1934 ظهر شالوم في فيلم كوميدي آخر من إخراج توجو مزراحي حمل عنوان "المندوبان" وفيه لعب دور البطولة إلى جانب شالوم الممثل عبده محرم حيث شكل الاثنان معاً ثنائياً ناجحاً. تقوم حبكة الفيلم على شخصيتين (شالوم وعبده) أحدهما يهودي والآخر مسلم يعملان في مهن بسيطة، شالوم مخطوب لإستير وعبده مخطوب لأمينة، لكن الصديقين غير قادرين على إتمام زيجتيهما لأسباب مادية، لذلك يضطران للعمل في شركة يتبين لاحقاً أنها تدار من قبل عصابة خطيرة، وخلال ذلك يتعرض الثنائي شالوم وعبده لكثير من المفارقات والمواقف الطريفة.
مشهد من "العز بهدلة"
الفيلمان اللاحقان كرسا نجومية شالوم المطلقة حيث كانا أول فيلمين مصريين يحملان إسم بطل الفيلم وهما "شالوم الترجمان" و"شالوم الرياضي" (لاحقاً فعل إسماعيل ياسين الأمر ذاته في سلسلة أفلامه الشهيرة). أما آخر أفلام شالوم فكان "العز بهدلة" سنة 1937، وهو كما واضح من عنوانه فيلم في مديح الفقر وذم الغنى على طريقة الكثير من أفلام تلك الفترة التي كانت تصور الفقر على أنه فضيلة والغنى على أنه رذيلة، مشجعة بذلك الفقراء على أن يحمدوا ربهم على فقرهم وعوزهم !
بعد "العز بهدلة" اختفى شالوم تماماً عن الساحة الفنية، البعض يعتقد أن ذلك يعود إلى الحساسية التي أصابت المجتمع المصري تجاه كل ما هو يهودي بعد أحداث ثورة فلسطين عامي 36-37، صحيح أن السينما المصرية وقتها احتوت على العديد من الفنانين اليهود إلا أن معظم هؤلاء قدموا شخصيات محايدة غير مرتبطة بجماعة دينية بعينها، في حين بقيت شخصية "شالوم" مرتبطة باليهود على وجه التحديد. استبدل توجو مزراحي في أفلامه اللاحقة شخصية "شالوم" اليهودي بشخصية "عثمان" النوبي التي لعبها علي الكسار على المسرح ونقلها مزراحي إلى شاشة السينما ابتداء من عام 1938 من خلال فيلمي "التلغراف" و"عثمان وعلي".
توارى شالوم عن الأضواء بعد أن افترق عن راعيه توجو مزراحي وبعد أن عزف أي منتج آخر عن المغامرة بانتاج فيلم جديد له، ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية واشتداد الحملات الصهيونية لإقناع اليهود بالهجرة إلى فلسطين فضّل شالوم ككثير من يهود مصر السفر إلى أوروبا فاختار إيطاليا، وهناك توفي منسياً بعد أن أصيب بنوبة قلبية وهو في الـ 48 من عمره يوم 14 أيار مايو 1948 أي قبل يوم واحد فقط من إعلان قيام دولة الكيان الغاصب في فلسطين المحتلة.
شاهد أيضاً :