الأحد، 14 يناير 2018

جورج ميلييس الساحر الذي ابتكر الخدع السينمائية !


شخصية جورج ميلييس كما ظهرت في فيلم "هيوغو" عام 2011 

في العقد الأخير من القرن التاسع عشر أطلق الشقيقان الفرنسيان لويس وأوغست لوميير فن السينما، وقد كانت الأفلام التي صنعها الأخوان لوميير بسيطة التركيب، حيث كان تكتفي بتصوير بعض الأحداث الواقعية دون تدخل في الخلفية الزمانية أو المكانية للفيلم. 

لذلك فإن كان الأخوان لوميير قد ابتكرا تقنية التصوير والعرض السينمائي، فإن جيلاً تلاهم من المخرجين والمصورين السينمائيين هو من وضع الأسس العملية لتصوير الأفلام الروائية كما نعرفها اليوم، وفي طليعة هؤلاء يأتي الفرنسي جورج ميلييس الذي يعتبر بحق الأب الروحي لتقنية المونتاج وفن الخدع البصرية. 

ولد ميلييس في باريس عام 1861 لأسرة من الصناعيين الأغنياء، لكن ولعه بالسحر وألعاب الخفة جعله يشتري مسرحاً صغيراً عام 1888، حيث عكف على تصميم حيل سحرية جديدة ومبتكرة كانت السبب في اقبال الناس على مسرحه بشكل واسع. 

جورج ميلييس في شبابه

وفي عام 1895 كان ميلييس واحداً ممن حضروا العرض السينمائي الأول للأخوين لوميير، وقد عرض عليهم شراء أو استئجار ماكينة السينماتوغراف التي قاما باختراعها ليستخدمها في عروضه السحرية، فرفضا ذلك، لكنه استطاع بعد فترة قصيرة أن يشتري ماكينة عرض سينمائية من شركة "أديسون" الأمريكية، وراح يعرض الأفلام في مسرحه، وفي العام التالي 1896 قرر أن يقوم بتصوير الأفلام بنفسه، وفي هذه الأفلام المبكرة ظهر لأول مرة ما ندعوه اليوم بالمونتاج، وقد حدث هذا بمحض الصدفة، فذات يوم كان يقوم بتصوير حركة المرور في ساحة الأوبرا بباريس، وأثناء ذلك اصاب الكاميرا عطل بسيط اوقفها عن العمل مدة دقيقة، وعندما أصلحها واستأنف التصوير، ثم شاهد ما صوره لاحقاً، لاحظ أن صور بعض الأشياء تتبدل بشكل غريب فالباص يختفي وتحل محله سيارة اسعاف، والرجال يتحولون الى نسوة، وهكذا قرر أن يجرب هذه الطريقة في فيلم أسماه "السيدة المختفية" قام فيه بإخفاء بطلة الفيلم مستخدماً حيلة القطع.

وقد أدت معرفة ميلييس العميقة بالتصوير الفوتوغرافي الثابت وخبرته في التصوير السينمائي الى اكتشافه طرقاً جديدة تقوم فيها الكاميرا نفسها بالحيل، ومن بين هذه الطرق مزج اللقطات وخاصيتي الظهور والاخفاء، كما قام بتوظيف تكنيك التصوير الفوتوغرافي في لقطة متلاشية الأطراف، والتصوير على أرضية سوداء، وهذه الأساليب تعبر عما كان يعنيه ميلييس عندما قال : "في السينما يمكنك أن تصنع المستحيل".

جورج ميلييس في أحد أفلامه

 في عام 1897 قام ميلييس  ببناء استوديو سينمائي متكامل مجهز بكل ما يحتاج اليه من مناظر، وفي هذا الاستوديو امكنه أن يطبق مقولته في صنع المستحيل، فراح يصور الأحداث والوقائع التاريخية كما لو كانت حية تجري الآن.

سنة 1902 قدم ميلييس واحداً من أفضل افلامه وأكثرها شهرة على الإطلاق "رحلة إلى القمر" المأخوذ عن رواية "من الأرض إلى القمر" للكاتب الفرنسي الشهير جول فيرن، ويعتبر هذا الفيلم بحق أول فيلم خيالي علمي في تاريخ السينما العالمية، حيث تدور قصته حول رحلة يقوم بها مجموعة من العلماء الى القمر ذهاباً واياباً. 

قام ميلييس بتوسيع استديو التصوير الخاص به حتى غداً نموذجاً لما سوف تكون عليه استديوهات التصوير الضخمة في هوليوود لاحقاً، واستمر في صناعة الأفلام حتى عام 1914 عشية اندلاع الحرب العالمية الأولى، والتي مثلت بداية الانحدار لسينما ميلييس، فاهتمام الرأي العام اتجه نحو ميادين المعارك وتغير المزاج العام لرواد السينما، ولم تعد أفلام ميلييس الهزلية والخيالية تعجب الجمهور أوتلقى ما كانت تلقاه قبل الحرب من حفاوة، فاضطر ميلييس لإغلاق مسرحه وبعد سلسلة من النكسات الفنية والمالية أعلن إفلاسه عام 1923 ولم يبق له سوى أصول أفلامه التي أحرق معظمها في ساعة غضب، ثم اختفى تماماً عن المسرح العام. 

فيلم "رحلة إلى القمر"

بعد سنوات من الاختفاء اكتشف الصحفي ليون دروهوت بالصدفة مكان ميلييس، وهو عبارة عن كشك متواضع لبيع الدمى والحلوى، وبعد حملة اعلامية مكثفة قام بها دروهوت سلطت الأضواء من جديد على ميلييس فأعيد إليه اعتباره كواحد من رواد صناعة السينما في فرنسا والعالم، حيث منح راتباً تقاعدياً وبيتاً مريحاً في ضواحي باريس سكن فيه حتى وفاته عام 1938 بعد إصابته بمرض السرطان.

طوال مسيرته السينمائية قدم ميلييس نحو 500 فيلم وصل إلينا نصفها فقط، وفي عام 2011 قدم مارتن سكورسيزي فيلماً بعنوان "هيوغو" والذي قدم فيه الممثل بن كينغسلي دور جورج ميلييس في إطار فانتازيا سينمائية جميلة نالت إعجاب الجمهور وأعادت شخصية ميلييس إلى الشاشة مطلع الألفية الثالثة بعد نحو 75 عاماً على رحيله. 

جورج ميلييس

شاهد أيضاً:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق