في أواخر خمسينات القرن الماضي انطلق التلفزيون في لبنان وراح يسحب سريعاً البساط من تحت أقدام الإذاعة التي نظر أساطينها إلى القادم الجديد نظرة استعلاء وغضب، خاصة أن التلفزيون لم يتوان في سعيه المحموم لجذب الجمهور عن استعمال كافة الأساليب بما فيها تقديم برامح استعراضية جل ضيوفها من فناني الكباريهات والملاهي الليلية.
في عام 1963 أطلقت شركة التلفزيون اللبنانية برنامج "بيروت بالليل" من تقديم المذيع المصري المثير للجدل حسن المليجي أحد نجوم حياة الليل والصحافة الصفراء في العاصمة اللبنانية، برنامج المليجي كان مزيجاً من الاسكتشات الضاحكة ووصلات الغناء والرقص الشرقي، ورغم اتهامه من قبل الصحافة بالسوقية والابتذال استطاع البرنامج أن يجذب شريحة واسعة من المشاهدين، ما ساعد على استمرار البرنامج طيلة عقد الستينات.
في شباط فبراير من عام 1965 انفجرت الصحافة في وجه المليجي وبرنامجه حين استضاف المطربة السورية مها عبد الوهاب المعروفة بلقب "مطربة السيكس" حيث قدمت على شاشة التلفزيون أغنية بعنوان "جبلي ياه خدلي ياه" يقول مطلعها : "جسمي حلو يا حلو، بس بدو فستان حلو، جبلي ياه، خدلي ياه، يا حلو !".
هذه الأغنية المليئة بالإيحاءات الجنسية جددت الحملة على المليجي وعلى برنامجه، وجددت الحرب بين الإذاعة والتلفزيون، حيث فتح مدير برامج الإذاعة اللبنانية آنذاك نبيل الخوري النار على التفزيون قائلاً : "إن برامج التلفزيون مرفوضة في الإذاعة"، فيما صرح مدير الإذاعة حسن الحسن أن تأثير التلفزيون يقتصر على طبقات المستمعين الذين يتمتعون بثقافة محدودة ودخل محدود وينتظرون التلفزيون ليشاهدوا أفلاماً ببلاش !.
أزمة "مطربة السيكس" تم احتواؤها من قبل وزارة الإعلام التي وجهت إنذاراً إلى إدارة التلفزيون، في حين تم منع المطربة نفسها من الظهور على الشاشة الصغيرة.
مها عبد الوهاب حين فازت بلقب "ملكة الأناقة" في حلب
ومها عبد الوهاب التي فجرت هذه الأزمة مطربة سورية من مدينة حماة، برزت بداية في مسابقات الأناقة والجمال في سورية، قبل أن تنتقل إلى الغناء في كباريهات العاصمة اللبنانية بيروت، وقد ظهرت في دور صغير في فيلم لبناني بعنوان "أنتربول في بيروت"، عرفت بلقب "مطربة السيكس" حيث قدمت مجموعة من الأغاني الجريئة جداً والتي كتبت كلماتها ولحنتها بنفسها، يقول عنها الكاتب والمؤرخ الفني محمود الزيباوي : يذهب تركيز مطربة السكس في تلك الأغاني غالباً الى الغنج والدلع والى دعوة الشاب للقدوم اليها، في أغنية "ع شفافي مرمغ شنباتك" تدعوه لذلك وتبدأ بإعطائه التحفيزات مثل أن "تشرب معي كاس"، واذا لم يعرف الشاب ما عليه أن يفعل بها تخبره أن بإمكانه أن "تعملي أحلى مساج على جسمي الحلو الحساس". وفي أغنية "مشخلعة ومدلعة" تقارن نفسها بالفتيات الاخريات، وتخبرنا تفاصيل عن جسدها وتؤكد تفوقها عليهن "أنا أحلى بنت عصري ونهودي قبلن هيهات على صدر صبية"، ثم تضيف "عندي شفايف كلن سكسي بسكسي". لكن مها لا تتخطى هذا الحد فهي تبقي نفسها "مطربة" من دون ان تتحول الى ممثلة إباحية. تحاول أن تبقي المستمع واهماً بأنها منتمية الى جماعة "الفن"، ومن الممكن أن تكون أي واحدة من فنانات ذلك الزمن. يبدو دائما في غاية الأهمية لأولئك الفتيات أن يكنّ منتميات الى جماعة تجعل وجودهن ممكناً، فإذا فقدن ذلك الإنتماء سيصبحن مثل أي بائعة هوى تؤدي أدواراً إباحية في الاسطوانات.
شاهد أيضاً :