الثلاثاء، 18 أبريل 2017

تاريخ العلمانية التركية من أتاتورك إلى رجب طيب أردوغان


شكلت الثورة الفرنسية عام 1789 بداية التحول في أنظمة الحكم في العالم من الأنظمة الدينية القائمة على التحالف بين المؤسسة الدينية و السلطة الحاكمة إلى الأنظمة العلمانية التي تقوم على مبدأي فصل الدين عن الدولة و فصل الدين عن السياسة.

و في العالمين العربي و الإسلامي ظل الاشتباك بين دعاة الدولة الدينية و الدولة العلمانية قائماً منذ مطلع القرن العشرين و حتى يومنا هذا، و يمكن تعريف معظم الأنظمة القائمة في البلاد العربية و الإسلامية حالياً بأنها مزيج ما بين نظامي الحكم الديني و العلماني كما هو الحال مثلاً في سورية و مصر و الجزائر و العراق و غيرها، ففي حين تتبنى هذه الأنظمة بعض القوانين الوضعية و السياسات الحداثية فهي في الوقت عينه تستوحي كثيراً من تشريعاتها من الشريعة الإسلامية كما هو حال التشريعات الخاصة بالزواج و الطلاق و الإرث و تغيير الدين و غيرها كما أن دساتير معظم هذه البلاد تحدد دين الدولة و دين رئيس الجمهورية ما يخالف المبادئ العلمانية التي تقوم على تحييد الدين لصالح مبدأ المواطنة. 

و على مستوى العالم العربي تبدو تونس حالة خاصة و وحيدة كنظام علماني خالص أرسى دعائمه الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، في حين تبدو التجربة التركية التي أسس لها أبو تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك مطلع القرن الماضي تجربة فريدة في العالم الإسلامي و إن كانت هذه التجربة مهددة اليوم بسبب صعود حزب العدالة و التنمية ذي التوجه الإسلامي و سعيه المحموم للاستحواذ على السلطة المطلقة في البلاد.

"أنتيكا" تستعرض لكم في هذا المقال المصور تاريخ العلمانية التركية و أهم ملامحها و أبرز التحديات التي تواجهها في وقتنا الراهن :   


مثلت الحرب العالمية الأولى المسمار الأخير في نعش السلطنة العثمانية المتهالكة و التي كانت تلقب برجل أوروبا المريض، حيث انتهت الحرب بهزيمة تركيا و احتلال الحلفاء الجزء الأكبر من أراضيها في حين استغلت اليونان جارة تركيا و عدوتها التاريخية الفرصة و قامت باحتلال قسم كبير من الأراضي التركية، في ظل هذه الظروف العصيبة ظهر مصطفى كمال الضابط التركي الشاب الذي لمع نجمه خلال الحرب في معركة جاليبولي الشهيرة ضد قوات الحلفاء، فقد رفض مصطفى كمال الواقع الذي فرض على تركيا و جمع حوله ما بقي من الجيش و دعمه بقوات من المتطوعين وشن حرب تحرير شعبية ضد الحلفاء و اليونانيين انتهت بتوقيع اتفاق لوزان عام 1923 الذي أفضى لتأسيس الجمهورية التركية التي اختير مصطفى كمال من قبل مجلس الشعب ليكون رئيساً لها في حين تم وضع دستورها عام 1924 و الذي نص على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة.


خرج مصطفى كمال من الحرب بطلاً قومياً حيث أطلق عليه لقب "أتاتورك" أي "أبو الأتراك" و قد أتاحت له هذه الشعبية الكبيرة إجراء إصلاحات علمانية جذرية، فأعلن عام 1924 إلغاء الخلافة العثمانية كما قام بإغلاق المدارس الدينية و التكايا و المحاكم الشرعية و قام بإرساء نظام تعليم علماني موحد، و في عام 1926 تم فرض قانون مدني للأحوال الشخصية مستوحى من القانون السويسري حيث باتت المرأة بموجب هذا القانون مساوية للرجل فيما يخص الزواج و الطلاق و الإرث و بات تعدد الزوجات محظوراً بموجب القانون، و عام 1928 صدر تعديل دستوري ألغى عبارة "الإسلام هو الدين الرسمي للدولة" في حين صدر عام 1937 تعديل دستوري آخر نص صراحة على علمانية الدولة التركية.


إلى جانب الإصلاحات العلمانية اتخذ أتاتورك اجراءات هدفت إلى تغريب الدولة التركية فمنع ارتداء الطربوش و استبدل أحرف الكتابة العربية  بالأحرف اللاتينية و غير يوم العطلة الرسمي من الجمعة إلى الأحد كما كان على المستوى الشخصي يحرص دائماً على ارتداء الملابس الغربية و كان يشرب الكحول علناً في الأماكن العامة ليراه الناس و يتشجعوا على تبني نمط الحياة الغربي كما مول إنشاء مصنع حديث و ضخم للبيرة في العاصمة الجديدة للجمهورية التركية أنقرة.


على عكس ما يعتقده كثيرون لم تشمل إصلاحات أتاتورك على الإطلاق حظر ارتداء الحجاب في الأماكن العامة، و الواقع أن حظر ارتداء الحجاب في  الجامعات و الدوائر الرسمية التركية هو أمر حديث نسبياً حيث تم بموجب قوانين صدرت عام 1982 بعيد انقلاب 1980 العسكري بقيادة الجنرال كنعان ايفرين.


اليوم تشهد تركيا منذ وصول حزب العدالة و التنمية الإسلامي للسلطة عام 2002 توجهاً نحو إعادة أسلمة الدولة حيث تم صرف كثير من الموظفين المعارضين لتوجهات الحزب الدينية من مؤسسات الدولة و في عام 2008 أقر البرلمان التركي قانوناً يسمح للنساء بارتداء الحجاب في الجامعات كما تم إحياء تراث تركيا العثماني ما جعل كثيرين يتهمون أردوغان بالسعي ليكون سلطاناً عثمانياً جديدأً، و رغم أن تركيا ما تزال حتى الآن بشكل رسمي دولة علمانية إلا أن القوى العلمانية التركية تبدي تخوفها من أجندات الحزب الرجعية والرامية إلى تأسيس دولة دينية خاصة بعد أن رسخ الحزب سلطته و صفى خصومه مستغلاً محاولة الانقلاب الفاشلة في 2016 كما قام مؤخراً بتمرير تعديلات دستورية تمنح الرئيس رجب طيب أردوغان سلطات شبه ديكتاتورية، و يورد العلمانيون الأتراك في سياق مخاوفهم تصريحات مثيرة للجدل لبعض أقطاب حزب العدالة و التنمية كتصريح رئيس البرلمان التركي إسماعيل كهرمان في مؤتمر للعلماء والكتاب المسلمين في اسطنبول عام 2016 و الذي قال فيه " إن العلمانية لن يكون لها مكان في دستور جديد لأن تركيا دولة مسلمة ولذلك يجب أن يكون لدينا دستور ديني". 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق