‏إظهار الرسائل ذات التسميات كتب. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات كتب. إظهار كافة الرسائل

الثلاثاء، 12 مارس 2019

بالصور : بيروت 69 .. بيت المثقفين العرب !


من أرشيف المصور الفرنسي الجنسية المغربي المولد برونو باربي (1941-    ) اخترنا لكم 10 صور التقطتها عدسته في بيروت عام 1969 لعدد من المثقفين العرب من شعراء وفنانين وأدباء ممن استقروا في العاصمة اللبنانية واتخذوا منها منطلقاً لأعمالهم الفنية والإبداعية. 

هذه الصور بمن فيها من شخصيات ثقافية تنتمي لمدارس فكرية وفنية متباينة تعبر عن الحياة الثقافية النشيطة التي كانت تعيشها بيروت في تلك الحقبة الذهبية من تاريخها في ستينات القرن الماضي، حيث احتوت العاصمة اللبنانية على مختلف الاتجاهات والمدارس الفكرية التي كانت سائدة في الشرق في تلك الفترة، ووفرت من خلال جو الحرية النسبي فيها متنفساً للمثقفين العرب للتعبير عن أفكارهم بعيداً من مقص الرقيب وسلطة الحاكم. 

 الفنانة التشكيلية نادية صيقلي

 الكاتب السوري صادق جلال العظم الذي كان يعمل وقتها مدرساً في الجامعة الأمريكية وأثار كتابه الجريء "نقد الفكري الديني" عاصفة في الأوساط الثقافية العربية بعد أن انتقد الفكر الديني السائد وربط بينه وبين هزيمة حزيران يونيو 67 

 الفنانة الفلسطينية جمانة بيازيد 

 الشاعر السوري نزار قباني الذي استقال من عمله في السلك الدبلوماسي واستقر في بيروت حيث افتتح دار نشر حملت اسمه 

 الأديب والصحفي الفلسطيني غسان كنفاني أحد أبرز الكتّاب اليساريين العرب والقيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين 

الأشقاء النحاتون ألفريد وميشيل ويوسف بصبوص 

 الكاتب اللبناني أنسي الحاج أحد مؤسسي مجلة "شعر" التي حملت لواء الحداثة في الأدب العربي 

 الشاعر السوري علي أحمد سعيد إسبر (أدونيس) أحد أركان مجلة "شعر" إلى جانب يوسف الخال وأنسي الحاج

الرسام اللبناني عارف الريس 

الكاتب والمؤرخ الفلسطيني ثائر يوسف 

شاهد أيضاً :

السبت، 23 فبراير 2019

رحلة في قلب شاعر المرأة : طفل شقي ..نمرود .. عكروت .. "بري" من الصعب استئناسه !




آثار حروق صغيرة في فخذي وفي ساقي .. لماذا تسألين يا شقية إنه سري ! .. أحكيه إذن ما دمت تلحين .. :
طفولتي المنطلقة .. أرى الأشياء كما أريد وأحلم. متمرد .. أكون في البيت ما أريد ولا أريد ما أكون ! مخرب .. أي لعبة مهما كانت جديدة وثمينة ألهو بها دقائق لهو القطة بفأرها، ثم أفترسها .. ويسيل مني لعابي وأنا أبحث عن حطامها عن المجهول الخبيء ! حتى أمي ضاق حنانها بشغبي وتخريبي .. كثيراً ما تركتني قعيد البيت وخرجت وحدها في زيارة عائلية، لتؤمن أصحاب البيت من شري !

يوم من أيام شتاء دمشق المثلج .. تعطشت لدمية أسحقها فلم أجد .. كل لعبي ركام مبعثر في علبها الجديدة .. أجزاء مكشوفة .. مفتوحة . ذليلة . ولا تغري فضولي ! أمام مرآة أملأ عيني من قفطاني الصوفي الجديد وألوانه الزاهية .. الأحمر يتموج في حضن الأخضر، ينجذبان فيتعانقان ثم يفترقان، الأصفر يطارد الرمادي ككلب جائع يطارد أنثاه في الطريق من رصيف لرصيف ! هذه الألوان المتكلمة ماذا لو أشعلت فيها النار ؟ هل يتلون لهبها بلونها ؟ هل تدفئني ؟! .. سال لعابي ! .. مددت يدي بعود الثقاب المشتعل إلى ذيل القفطان .. صوف حر ذاب تحت لسان اللهب واضطرم .. لكني أتألم .. ألف دبور تلسعني في فخذي وفي ساقي .. أحترق ! صرخت مفجوعاً .. جاءت أختي على صراخي .. حملتني مندفعة وألقتني في بركة النافورة بصحن البيت !! .. إنه سري .. فضولي .. الطفل الذي أعيش للآن به وعليه .. وأكتب من صيده شعري !



حي العمارة أقدم أحياء دمشق، في سرته تنتصب مآذن الجامع الأموي، ولدت بالحي في 21 مارس سنة 23، أخي الأكبر "معتز" تاجر بدمشق وصاحب مكتب استيراد وتصدير، وأنا الثاني، لي غيره 3 أخوة، وأخت متزوجة. أبي صاحب مصنع حلويات في سوق البزورية. 

دخلت الكلية العلمية الوطنية. أمضيت بها من مرحلة الحضانة حتى شهادة البكالوريا الأولى، أخذتها سنة 41. انتقلت لمدرسة التجهيز وأخذت البكالوريا الثانية قسم فلسفة سنة 42. وسنة 45 أخذت ليسانس حقوق فقد كانت الدراسة بالكلية أيامها 3 سنوات فقط.

لست عبقرياً .. تلميذ عادي جداً في المرحلة الابتدائية. أحب الرسم والخط الجميل .. أخذت الابتدائية سنة 33. في الثانوي امتلكتني أكثر هوايتي للرسم والخط. درست أصول الخط على يد "المعلم بدوي" أكبر خطاطي دمشق. كنت أرسم بالرصاص. فأخذت أستعمل ألوان الجواش والزيت. "أتيلييه" صغير عملته في غرفة بالبيت. بقعت بألوان الزيت البلاط والحيطان. تضايق أمي فنقلت الأتيلييه إلى القبو تحت البيت. 



لكنني أحببت أمي بتعلق وعبادة كنت ابنها المفضل .. المصروف لي أكثر من غيري ! والصنيبر واللحم تخفيه عن أخوتي تحت الأرز، لأستمتع بنصيب وافر منه وحدي !

مرحلة مراهقة "صعبة" المرأة سراب أبعد من أن ينال ! أغراني أصدقائي كثيراً بالجسد المباع، لكني رفضت هذا الحل لمشكلتي الجنسية لتفاهته ! عمري 16 سنة حين كتبت أول محاولة شعرية. كنت في رحلة مع تلامذة الكلية العلمية إلى إيطاليا. أول غربة لي .. اجتاحني الحنين لأهلي وبلدي والباخرة لم تخرج بعد من المياه السورية ! كتبت قصيدة من شعر الحنين. أذعتها من راديو روما العربي عندما زرناه . غمغمة صبي ! أحاول أن أتذكرها لك .. 

فور تخرجي في الحقوق اشتغلت ملحقاً بوزارة الخارجية، 21 سنة وأنا مكتوم الروح مقيد الوجدان في السلك الدبلوماسي .. أتنقل بين القاهرة وأنقرة ولندن وبكين وبيروت ومدريد .. أسوأ أيامي ! كنت أذهب إلى حفلات الاستقبال كارهاً كطفل يذهب إلى المدرسة لأول مرة ! أتبادل الكلام الفارغ المنمق مع غيري من الحاضرين .. كلام مصنوع وبلا عاطفة !

تمزقت طفولتي وشاعريتي وصدئت نفسي .. ومنذ 10 سنوات وأنا أفكر أن أستقيل من الدبلوماسية وأؤسس داراً للنشر، لكنني لم أستطع تنفيذ قراري إلا في أغسطس الماضي ! تركت الوظيفة بعد أن وصلت لمنصب مستشار .. مرتبي ؟ أي رقم مهما كان فلكياً .. المهم اني ضحيت به من شأن فني ! 



آه من عذابي ساعة مخاض شعري ! زلزال يزلزلني بلا موعد .. ينشق وجداني ويتفجر نبعي. ربما دهمني بالطريق. على مائدة طعام . أو وقفاي تحت مشط الحلاق ومقصه ! لا .. لا أدونه حالأً .. ذاكرتي مفكرتي إلى أن أصل البيت فأسجله على مهلي ! لست شاعراً مطيلاً .. قصائدي دائماً مكثفة قصيرة .. والعصر ليس عصر ملاحم ومعلقات .. حد فاضي !

نجاة غنت شعري، وتغنت به فيروز، غنت لي "وشاية" و"لا تسألوني ما اسمه حبيبي" .. من 4 أو 5 سنين. لم تشتهر الأغنيتان شهرة أغنياتي على لسان نجاة، ربما لأن صوت القاهرة أكبر وأقوى من صوت بيروت ! لا تسألوني مقارنة بين صوت نجاة وصوت فيروز، فالأصوات مثل الزهور لكل زهرة عطر ولون. وصوت نجاة "ياسمينة" رقيقة طاهرة وعذبة .. بينما صوت فيروز زهرة توليب جميلة أنيقة وفاتنة. 

**************************

- قلت للشاعر الذي خدمته ظروفه في الزمان والمكان فعرف من النساء أكثر مما عرفت أنا ! .. لا تكلمني من المرأة التي بين يديك .. كلمني عن المرأة التي طارت منهما .. عن غزواتك الفاشلة .. 
- لست فالنتينو الذي يسبي النساء دائماً .. فكما نجحت كثيراً في علاقاتي النسائية، فشلت كثيراً !

- الحب يولد .. لكن كيف يموت ؟ 
- عوامل كثيرة تقتله : عدم التكافؤ الذهني، العجز عن التأقلم والتنازل المتبادل من الطرفين عن شيء من غرورهما وامتيازاتهما الشخصية والنفسية.

- والعجز الجنسي عند الرجل، والبرود عند المرأة ؟
عامل مهم، إنه سيد العوامل التي تصرع الحب !

- أخاف أن يكون ضعف هذا العامل عندك هو سر مللك وتمردك على المرأة ؟
- لا اطئمن، ما زلت أمتلك فحولتي .. إنه مجرد ملل نفسي من الاستمرار، وأنا بطبعي أمل كل ثابت دائم !



- المرأة النموذج التي تأسرك، ما هي مواصفاتها الجسدية والنفسية ؟ 
- لا يهمني أن تكون سمراء أو شقراء، طويلة أو قصيرة. المهم أن تعاملني بأمومة كأني طفلها !

- هل عصفت بالمرأة مرة .. ما هو أقسى أشعارك عليها وأكثرها ضراوة ؟
- اسمعني : 
أتهددين بحبك الثاني.. وزندٍ غير زندي؟
 إني لأعرف، يا رخيصة، أنني ما عدت وحدي.. 
هذا الذي يسعى إليك الآن... لا أرضاه عبدي
فليمضغ النهد الذي خلفته أنقاض نهد
يكفيه ذلاً ... أنه قد جاء ماء البئر.. بعدي

- لحظة خيانة يبدو أنك عشتها فعلاً ؟
- فعلاً وأرجو ألا تسألني تفصيلا

- بعد كل تجاربك المتنوعة مع المرأة .. تعتقد هل عرفت من أسرار المرأة شيئاً ؟ 
- بشرفي أبداً !ّ!


مجلة "الكواكب" العدد 803 - 20 ديسمبر 1966

السبت، 26 يناير 2019

لمحبي جبران : 13 صورة نادرة لصاحب "النبي" و"الأجنحة المتكسرة"



يعتبر جبران خليل جبران (1883-1931) واحداً من أنجح الكتّاب الذين قدمهم الأدب العربي للعالم الغربي، فجبران القادم من بلدة بشري الواقعة في شمال لبنان هاجر مع أسرته ككثير من أبناء بلاد الشام في أواخر القرن التاسع عشر إلى العالم الجديد بحثاً عن حياة أفضل، وهناك بزغ نجمه منذ سني عمره المبكرة، وبعد أن كان يكتب أعماله بالعربية ثم تتم ترجمتها للإنكليزية، فقد بدأ يكتب بالانكليزية بناء على نصيحة صديقته ماري هاسكل، وقد حقق كتابه "النبي" الصادر بالإنكليزية عام 1923 نجاحاً غير مسبوق فتمت ترجمته إلى خمسين لغين وما يزال حتى يومنا هذا واحداً من أكثر الكتب مبيعاً في العالم. 

المواد المصورة لجبران شحيحة جداً، فرغم شهرة الرجل الواسعة خلال حياته في الولايات المتحدة وكذلك في العالم العربي فإن الصور المتوفرة له محدودة جداً ومعظمها صور التقطها له راعيه المصور فريد هولاندي في سني عمره الأولى حين اتخذه المصور المعروف كموديل فكان يلبسه الملابس الشرقية ويلتقط له الصور، هذا في حين لا يوجد أي فيلم متحرك لجبران باستثناء بضع ثوان صورها الناشر الفرد كنوف عام 1929 باستخدام كاميرا سينمائية 16 ملم. 

عائلة جبران عام 1889 ويبدو جبران واقفاً خلف أبيه وإلى جوار شقيقه الأكبر بطرس، في حين تبدو أختهما سلطانة جالسة أمام الأب خليل والأم كاملة

 واحدة من أوائل الصور التي التقطها هولاندي لجبران في بوسطن عام 1896

 صورة من مجموعة هولاندي التي التقطها لجبران في 1897-1898

 صورة أخرى من مجموعة هولاندي يبدو فيها جبران في لباس عربي 

 صورتان لجبران  من مجموعة هولاندي 1897-1898

 جبران حين كان طالباً في مدرسة الحكمة ببيروت عام 1900 

 جبران في شبابه 

 جبران مع أعضاء "الرابطة القلمية" التي أسسها مجموعة من أدباء المهجر عام 1920  ويبدو إلى جواره كل من نسيب عريضة، عبد المسيح حداد، وميخائيل نعيمة

 جبران مع صديقه الأديب ميخائيل نعيمة 

 جبران في صومعته وخلفه جدارية للمسيح المصلوب، لم يكن جبران متديناً لكنه كان شديد الإعجاب بشخصية يسوع وقد عبر عن هذا في أعماله خاصة "يسوع إبن الإنسان" 

 جبران في محترفه في نيويورك 

جبران في أواخر أيامه 

شاهد أيضاً :

الأربعاء، 17 أكتوبر 2018

خاشقجي ليس الأول : شخصيات عربية اختفت في ظروف غامضة ولم يعرف مصيرها !



السياسي ورجل الأعمال اللبناني إميل البستاني اختفى عام 1963 ولم يعرف مصيره إلى الآن ! 

ماتزال وسائل الإعلام العالمية ومواقع التواصل الاجتماعي تضج بخبر اختفاء الكاتب السعودي جمال خاشقجي، الذي دخل قنصلية بلاده في مدينة اسطنبول التركية يوم 2 تشرين الأول أكتوبر الماضي ولم يخرج منها، وسط أنباء عن اغتياله وإخفاء جثته في مكان مجهول، خاشقجي ليس الشخصية الأولى التي تختفي بهذا الشكل في العالم العربي، فقد سبقه إلى هذا المصير المجهول شخصيات عديدة ظل الغموض يلف تفاصيل اختفاءها حتى يومنا هذا. 

ناصر السعيد : 

ناصر السعيد معارض سعودي آخر، كان مؤيداً متحمساً للرئيس جمال عبد الناصر والتيار القومي في زمن كان الصراع فيه على أشده بين المملكة والتيار الناصري، لجأ إلى القاهرة ثم إلى اليمن الجنوبي وأخيراً إلى دمشق، ألف العديد من الكتب التي هاجم فيها حكم آل سعود من أبرزها كتاب "تاريخ آل سعود". 

في عام 1979 وخلال الحرب الأهلية اللبنانية اختفى ناصر السعيد بشكل غامض في بيروت، والأغلب أنه تعرض للاختطاف على يد عناصر من حركة فتح الذين قاموا بتسليمه للمخابرات السعودية مقابل مبلغ مالي كبير، حيث تعرض ناصر السعيد بعدها للتعذيب قبل أن يتم التخلص من جثته في مكان مجهول على الساحل اللبناني. 


الإمام موسى الصدر اختفى مع رفيقيه في ليبيا عام 1978

موسى الصدر :

الإمام موسى الصدر الشخصية الدينية والسياسية اللبنانية التي لمع نجمها مطلع السبعينات مع تأسيسه لحركة "أمل" الشيعية، اختفى عام 1978 مع مرافقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين، الليبيون ادعوا أن الصدر غادر ليبيا بعد انتهاء االزيارة إلى إيطاليا، في حين نفى الإيطاليون ذلك، وحتى اليوم ما يزال الغموض يلف مصير الإمام موسى الصدر، والأغلب أنه تعرض للتصفية بأوامر مباشرة من الزعيم الليبي معمر القذافي ودفن في منطقة سبها جنوب البلاد.



المعارض المغربي المهدي بن بركة اختفى في باريس عام 1965

المهدي بن بركة : 

كان المفكر اليساري المهدي بن بركة واحداً من أشرس المعارضين لحكم الملك المغربي الحسن الثاني، وقد اختفى يوم 29 تشرين الأول أكتوبر 1965 خلال تواجده في العاصمة الفرنسية باريس ولم يعرف مصيره أو مكان جثته حتى اليوم، وإن كانت الروايات ترجح أن يكون قد اختطف على يد عناصر من المخابرات المغربية، حيث تم نقله إلى فيلا في ضواحي العاصمة الفرنسية حيث تعرض لتعذيب شديد، قبل أن تتم تصفيته ودفن جثته في مكان مجهول على ضفاف نهر السين. 

نبيل القليني :

عالم الذرة المصري نبيل القليني من مواليد المنصورة 1939، أوفدته جامعة القاهرة في السبعينات إلى تشيكوسلوفاكيا للقيام ببعض الأبحاث، وفي يوم 27 كانون الثاني يناير 1975 اختفى من شقته في العاصمة التشيكوسلوفاكية براغ ولم يعرف مصيره حتى اليوم، والأغلب أنه تعرض للاختطاف من قبل الموساد الإسرائيلي أو أحد أجهزة المخابرت الغربية.

إميل البستاني :

السياسي ورجل المال والأعمال اللبناني إميل البستاني، كان إميل البستاني شخصية عصامية استطاعت بناء امبراطورية اقتصادية من الصفر، حيث أسس عام 1935 وهو بعد في الثامنة والعشرين من عمره شركة المقاولات "كات" التي تحولت بسرعة إلى واحدة من أكبر شركات المقاولات في المنطقة حيث امتد نشاطها إلى باكستان وإيران وتركيا ومنطقة الخليج وشمال أفريقيا. 

في عام 1963 كان إميل البستاني المرشح الأبرز لخلافة اللواء فؤاد شهاب في منصب رئيس الجمهورية، خاصة أن البستاني كان صديقاً للرئيس جمال عبد الناصر، لكن صباح يوم 15 آذار مارس 1963 حمل أخباراً غير سارة حين سقطت طائرة إميل البستاني الخاصة التي كانت تقله إلى دمشق في البحر قبالة ميناء بيروت، وفي حين عثر رجال الإنقاذ على جثث كل من الطيار البريطاني الذي كان يقود الطائرة ومرافقي البستاني، فإن جثة البستاني ظلت مختفية ولم يتم العثور عليها أبداً، ليبقى اختفاء البستاني بهذه الطريقة الغامضة لغزاً محيراً، فهل كان حادث الطائرة مدبراً ؟ وهل اختفت جثة البستاني بعد سقوط الطائرة أم أنه لم يصعد إلى الطائرة أساساً ؟ أسئلة تظل كلها معلقة دون إجابة.

شاهد أيضاً :

السبت، 28 أبريل 2018

يونس بحري : الصوت العربي لألمانيا النازية .. هنا برلين حيَّ العرب !!



رشيد عالي الكيلاني في برلين عام 1943 وإلى جواره الحاج أمين الحسيني ويبدو في أقصى يسار الصورة المذيع العراقي في إذاعة برلين العربية يونس بحري 

في سيرته الذاتية المنشورة في بيروت عام 1956 يقول أنه أسس في حياته 16 إذاعة، وأتقن 17 لغة، وحمل 15 جنسية، وتزوج من 90 امرأة زواجًا شرعيًّا، ومن أكثر من 200 زواجاً مدنياً، أنجب 365 ذكرًا، ولا يعلم عدد الإناث، ولديه أكثر من 1000 حفيد، قابل معظم رؤساء العالم، وله معهم صداقات، وقد حكم عليه بالإعدام أربع مرات !

بهذه الطريقة التي يختلط فيها الواقع بالخيال يقدم الرحالة والصحفي والمذيع والمغامر العراقي يونس بحري لنفسه، وهو الذي عرفه الجمهور العربي حين أسس في برلين عام 1939 إذاعة برلين العربية، والتي كان يطل منها يومياً مطلقاً تصريحاته النارية مفتتحاً كلامه بعبارة "هنا برلين حيَّ العرب "، مبشراً االشعوب العربية ببقرب انتصار النازيين، واندحار أعداءهم الفرنسيين والبريطانيين. 



ولد يونس بحري في الموصل عام 1900، درس بداية في مدينته الموصل، ثم التحق بدار المعلمين في بغداد عام 1921، لكنه سرعان ما ترك الدراسة من أجل وظيفة في وزارة المالية، وبعد مدة قصيرة قضاها في الوظيفة قرر أن يغادر العراق ليخوض غمار العالم سائحاً متجولاً في رحلة تشبه رحلة سندباد أو ابن بطوطة، حيث سافر إلى أوروبا وآسيا وعمل في أشغال مختلفة، وعاش لفترة في إندونيسيا التي كانت خاضعة آنذاك للاستعمار الهولندي، حيث اشترك مع الكاتب الكويتي عبدالعزيز الرشيد في تحرير مجلة حملت إسم "الكويتي والعراقي"، كما أصدر مجلة أخرى حملت إسم "الحق والإسلام"، عاد بعدها إلى العراق ليصدر كتابه الأول "العراق اليوم" عام 1924، قبل أن يغادر العراق مجدداً حيث جال هذه المرة بتونس وليبيا وحضرموت والهند وإيران وأفغانستان، فأتقن لغات عديدة، وأغلب الظن أنه لم يتعلم هذه اللغات بشكل اكاديمي، بس بشكل سماعي كان يتيح له التفاهم مع سكان البلاد التي يزورها، ومما يروى عنه أنه كان يعمل في الهند راهباً هندوسياً في النهار، وراقصاً في ملهى في الليل، في حين تحول في أندونيسيا إلى شيخ معمم يفتي في أمور الدين !

ويروي عنه الأديب والسياسي السوري الدكتور عبدالسلام العجيلي الكثير من المغامرات، حيث كان صديقاً له، فكتب يقول: "ارتبط اسمه بحكايات كثيرة قبل أن يلعلع صوته في إذاعة برلين، من تلك الحكايات حكايته في جامع باريس الذي بني في عشرينات القرن العشرين، وكان يحوي إلى جانب المسجد والسوق والحمامات العربية، مطعما مغربياً، وملهى ليلياً، كان يونس بحري يؤذن للصلوات الخمس في مئذنته بصوته العريض، ويتولى الإمامة بالمصلين عند الحاجة، وفي الليل كان يرأس تخت الموسيقى في الملهى، فيعزف على العود ويغني الأدوار التي يجيدها ولا يتأخر عن المشاركة بالرقص الشرقي مقلداً أشهر العوالم في القاهرة".


يونس بحري سندباد القرن العشرين

ولم يجن يونس بحري من مغامراته تلك كثيراً من المال، لكن شخصيته المدهشة وبراعته في العلاقات العامة مكنته من إقامة صداقات هامة مع قادة كبار في المشرق أمثال مفتي القدس الحاج أمين الحسيني ، والزعيم العراقي رشيد عالي الكيلاني، و الزعيم والأديب اللبناني شكيب أرسلان، وقد فتح له هؤلاء أبواب العلاقة مع المانيا النازية التي كانت تبحث عن أصدقاء لها في منطقة الشرق الأوسط حيث كان الألمان يأملون أن يزعزعوا مكانة بريطانيا وفرنسا في هذه المنطقة وأن يجدوا لنفسهم موطئ قدم على الأراضي العربية. 

وفي الثلاثينات حين وصل الملك غازي إلى الحكم في العراق وقد كان قومياً متحمساً تقرب يونس بحري منه، وشجعه على افتتاح إذاعة سرية كانت تبث من قصر الزهور، وكانت تحرض الشعب على الاحتلال البريطاني واذنابه، وكذلك على الصهاينة الذين كانت قضية هجرتهم إلى فلسطين قد بدأت تقض مضاجع القوميين العرب، لكن مقتل الملك غازي الغامض عام 1939 في حادث سيارة قيل أنه مدبر من قبل البريطانيين وأعوانهم نوري السعيد وعبد الإله، جعل من يونس بحري مطلوباً للبريطانيين، فما كان منه إلا أن غادر العراق إلى برلين هذه المرة التي وصلها حاملاً جواز سفر مزور، وهناك ساعده النازيون بتشجيع من الحاج أمين الحسيني على إطلاق إذاعة برلين العربية الموجهة لمنطقة الشرق الأوسط والتي كان يونس بحري أشهر مذيعيها، حيث اشتهر بعبارة "هنا برلين حيّ العرب" والتي كان يفتتح بها برامج الإذاعة كل يوم. 


يونس بحري في شبابه

في برلين أقنع يونس بحري الألمان ببث آيات من القرآن الكريم مع بدء افتتاح البث اليومي للإذاعة، وبالفعل نجحت هذه المبادرة  وجذبت المحطة التي كان يونس بحري نجمها الأول المستمعين العرب، من مصر إلى العراق والشام، حتى أن هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي اقتدت بهذه الخطوة وراحت بعد فترة تفتتح برنامجها العربي هي الأخرى ببث آيات من القرآن الكريم لكسب تعاطف الجمهور العربي.

ورغم ذكائه وشخصيته الكاريزماتية إلا أن نقيصة يونس بحري الكبرى كانت فردانيته، فسرعان ما بدأ يغرّد على هواه سياسياً، فغضب منه الحاج أمين الحسيني، وطلب من الألمان طرده من الإذاعة لأنه لم يكن يلتزم بنصوص البيانات والتعليقات التي كان يعدها المكتب العربي في القدس، فقد كان ينفعل ويضيف عبارات قاسية غير مكتوبة في النص وكان يخص الوصيّ على عرش العراق عبد الإله بالقسم الأكبر من شتائمه وكذلك نوري السعيد وأمير شرق الأردن عبدالله.

مع انتهاء الحرب ووصول قوات الحلفاء إلى برلين فر يونس بحري سراً إلى فرنسا، ثم عاد إلى العراق حيث اعتقل لفترة من الزمن ثم أطلق سراحه، ليعود من جديد إلى اسفاره ومغامراته، فعاش ما بقي من حياته متنقلاً بين بيروت والكويت وباريس، قبل أن يعود بداية السبعينات إلى إمارة أبو ظبي حيث أصدر جريدة "أبوظبي نيوز" الناطقة بالإنكليزية وعمل مسؤولا عن قطاع الشؤون الصحفية في وزارة الإعلام، و في أواخر السبعينات عاد إلى العراق حيث أمضى ما تبقى من حياته في هدوء، وتوفي في العام 1979، في منزل قريب له في منطقة الباب الشرقي ببغداد، وتولت بلدية بغداد دفنه في مقبرة الغزالي.


يونس بحري وزوجته الهولندية 

شاهد أيضاً :

الاثنين، 16 أبريل 2018

كوهين : جاسوس الموساد الفاشل الذي حولته إسرائيل إلى أسطورة !




إيلي كوهين (1924-1965) هو بلا شك أحد أشهر جواسيس الموساد عبر تاريخه الطويل، وهو بطل قومي من أبطال دولة الاحتلال ورمز من رموز جهاز المخابرات فيها، وهو أمر يبدو بعد قليل من التأمل مثيراً للاستغراب، فكوهين بكل المعايير جاسوس فاشل حيث أن أمره قد كشف بعد أربع سنوات فقط من دخوله إلى سورية، وقد حوكم وأعدم شنقاً على مرأى ومسمع من العالم، فكيف تحول جاسوس فاشل إلى أسطورة من أساطير المخابرات؟

الواقع أن إسرائيل كانت مهمومة دائماً بترسيخ أسطورة تفوق جيشها وأجهزة استخباراتها في ذهن شعبها وكذلك لدى الشعوب العربية، لذلك فقد عمدت إلى تحويل عملية ايلي كوهين من فشل استخباراتي ذريع إلى قصة بوليسية عن البطل اليهودي الذي دخل إلى عقر دار العدو وتغلغل داخل قيادته وضحى بحياته من أجل إسرائيل، وفي سبيل هذا قدمت إسرائيل الكثير من المبالغات حول دور كوهين ودرجة تغلغله داخل القيادة المدنية والعسكرية السورية، وقد تلقفت وسائل إعلام وصحفيون عرب معادون للنظام في سورية هذه المبالغات وتطوعوا لإعادة نشرها على أوسع نطاق، ومن بين تلك الوسائل الإعلامية صحف ومجلات عراقية أولبنانية تابعة للعراق في أواخر الستينات، حيث كان النظام البعثي في العراق آنذاك في حالة عداء شديد مع نظام البعث السوري، وكانت المعارك الإعلامية بينهما دائماً ما تزخر بقصص التآمر والتهم المتبادلة بالخيانة والعمالة إما للغرب أو لإسرائيل ومخابراتها. 


كوهين أيام شبابه في الإسكندرية

ولد إلياهو شاؤول كوهين في الإسكندرية لأسرة يهودية مصرية من أصول حلبية سورية عام 1924، درس في مدرسة الليسيه، حيث تعلم الفرنسية إلى جانب العبرية والعربية، وقد أبدى اهتماما مبكرا بالديانة اليهودية فالتحق بمدرسة الميمونيين في القاهرة، ثم عاد لتلقي الدراسات التلمودية في الإسكندرية تحت رعاية الحاخام موشيه فينتورا، في الأربعينات انضم لإحدى المنظمات الشبابية الصهيونية التي كانت تنشط سراً في مصر وكان يقودها إبراهام دار، وفي عام 1954 ألقت السلطات المصرية القبض عليه مع مجموعة كبيرة من الشباب اليهود بتهمة التورط في فضيحة "لافون" الشهيرة، حيث قام إرهابيون يهود وقتها باستهداف عدد من المصالح الغربية في مصر وذلك بهدف تخريب علاقة النظام الجديد في مصر مع الدول الغربية.

أطلقت السلطات المصرية سراح كوهين بعد أن ثبت عدم تورطه في التفجيرات، وفي عام 1955 هاجر إلى إسرائيل حيث تنقل بين عدد من الوظائف المدنية، وفي عام 1959 تزوج من فتاة يهودية من اصل عراقي تدعى نادية.


كوهين يوم زفافه على زوجته نادية عام 1959

كوهين ونادية في رحلة إلى منطقة روش هانيكرا السياحية القريبة من حدود فلسطين المحتلة مع لبنان

جهاز المخابرات الإسرائيلية والذي كان يبحث عن جواسيس يزرعهم في البلاد العربية وجد في كوهين الشخص المناسب بسبب إتقانه للغة العربية وماضيه في العمل السري، فتم إخضاعه لتدريب مكثف مدة ستة أسابيع، أرسل بعدها إلى الأرجنتين بأوراق مزورة، وفي الأرجنتين انخرط كوهين في أوساط الجالية السورية الكبيرة هناك، باعتباره رجل أعمال سوري مسلم إسمه كامل أمين ثابت، وفي شباط فبراير 1962 انتقل كوهين بناء على تعليمات الموساد إلى دمشق، وقدم نفسه إلى المجتمع الدمشقي باعتباره مغترباً عائداً لأرض الوطن، وسريعاً بنى كوهين لنفسه شبكة علاقات واسعة معتمداً في ذلك على الحفلات والولائم التي كان يقيمها في بيته، وعلى الهدايا التي كان يغدقها على الأشخاص الذين كان يعتقد بأنهم قد يكونون مفيدين له في عمله الاستخباري، كما أقام عدداً من العلاقات النسائية مع فنانات ومضيفات طيران وسيدات مجتمع وإحدى سكرتيرات وزارة الدفاع، مستفيداً من شخصيته الدونجوانية ومن وضعه كثري عازب. 


كوهين في دمشق

بعد فترة نجح كوهين في تجنيد عدد من المتعاونين، حيث ضمت الشبكة التي كونها ضباطاً في القوات المسلحة وموظفين في الإذاعة وفي مطار دمشق الدولي وعدد من أجهزة الدولة الأخرى كانوا يمدونه بالمعلومات، وقد كان يعتمد على جهاز لاسلكي في إرسال التقارير إلى رؤساءه في إسرائيل، حيث كان الجهاز مخبئاً في شقته، كما سافر إلى إسرائيل خلال هذه الفترة بشكل سري ثلاث مرات للاجتماع بضباط الموساد وتلقي التعليمات. 

خلال آخر زيارة له إلى إسرائيل في تشرين الثاني نوفمبر 1964 عبر كوهين لرؤسائه عن خوفه من افتضاح أمره، خاصة أنه علم أن ضابط المخابرات السوري أحمد سويداني كان يجري تحريات عنه، لكن ضباط الموساد طمأنوه إلى أن كل شيء على ما يرام، وفي كانون الثاني يناير 1965 اقتحمت قوات أمن سورية شقة كامل أمين ثابت وألقت القبض عليه متلبساً أثناء قيامه بإرسال الرسائل اللاسلكية إلى أسرائيل، حيث كانت أجهزة الأمن قد التقطت إشارات الراديو الصادرة وحدد مصدرها بدقة اعتماداً على تجهيزات حديثة سوفييتية الصنع. 


المبنى الذي كان يقطنه كوهين حين تم إلقاء القبض عليه متلبساً في كانون الثاني يناير 1965 

كوهين وأعضاء شبكته التجسسية في قفص الإتهام خلال محاكمتهم أمام المحكمة العسكرية بدمشق

حوكم كوهين أمام محكمة عسكرية مع أعضاء شبكة التجسس التي كان قد كونها، ونقلت وقائع محاكمته آنذاك على الهواء مباشرة على شاشة التلفزيون السوري، حيث يتذكر ذلك الجيل من السوريين وقائع المحاكمة والأداء المسرحي لرئيس المحكمة العقيد صلاح الدين الضللي، وقد حكم على كوهين بالإعدام شنقاً، ونفذ الحكم يوم 18 ايار مايو 1965 في ساحة المرجة بدمشق رغم الضغوطات الكبيرة التي تعرضت لها سورية آنذاك لإيقاف تنفيذ حكم الإعدام، وقد دفن كوهين في دمشق في حين رفضت الحكومة السورية مراراً طلب أسرته بنقل رفاته إلى إسرائيل. 

في إسرائيل اعتبر كوهين شهيداً وبطلاً قومياً وصدر عدد من الكتب والوثائقيات التي تناولت سيرته مع كثير من المبالغات، حيث ادعى بعضها أن المعلومات التي زود بها كوهين إسرائيل كان لها أثر حاسم في انتصار الجيش الإسرائيلي في حرب عام 67، كما صدر عام 1987 فيلم تلفزيوني حمل عنوان "جاسوس المستحيل" تناول سيرة كوهين، وادعى أنه كان  على علاقة بالرئيس السوري آنذاك أمين الحافظ، لكن الحافظ نفى في لقاء تلفزيوني أي معرفة بينه وبين كوهين، وأكد أن المرة الوحيدة التي رآه فيها كانت في فرع فلسطين خلال التحقيق معه بعد أن تم إلقاء القبض عليه. 


رسالة كوهين إلى زوجته قبل إعدامه 

نهاية الجاسوس 

شاهد أيضاً :

الأربعاء، 28 مارس 2018

صخرة اذكريني دائماً : أسطورة حب دمشقية نسجتها خيوط الواقع والخيال !


صخرة اذكريني دائماً في لقطة من المسلسل التلفزيوني "الفصول الأربعة" إنتاج 1999

تستقبل الداخل إلى دمشق من جهة الربوة صخرة شاهقة يبلغ ارتفاعها نحو 40 متراً، تحمل بعض الكتابات الفاطمية القديمة التي تؤرخ لعمارة الربوة، كما  كتب على أحد وجهيها : "اذكريني دائماً"، أما الوجه الآخر فقد كتب عليه : "لا أنساك"، فهل هي دمشق تحيي الزائر لها بهذه العبارات ؟ أم تذكِّره بدراما العشق التي شهدتها هذه المدينة منذ سنين طويلة ؟ 

ما من أحد في دمشق لم يسمع بهذه الصخرة الشاهقة المنتصبة بكل كبرياء عند مدخل الربوة، وعن القصص التي أحاطت بها، خاصة تلك القصة التي تقول أن شاباً أحب فتاةً حباً جنونياً، لكنها تزوجت من آخر، فما كان منه إلا أن صعد لأعلى صخرة في المنطقة وكتب على سطحها الأملس عبارة : "اذكريني دائماً"، ثم ألقى بنفسه منتحراً إلى قاع الفج، ولما سمعت الصبية بما جرى لحبيبها تسلقت الصخرة وكتبت عليها : "لن أنساك"، ولحقت به وفاء لحبهما الطاهر، وأصبح المكان منذ ذلك اليوم يعرف لدى سكان دمشق باسم صخرة اذكريني دائماً، في حين كانت تسمى سابقاً باسم صخرة المنشار بسبب شكلها الذي يشبه المنشار.

ولمعرفة حقيقة هذه القصة عدنا إلى مذكرات المؤرخ والكاتب نجاة قصاب حسن (1920-1997) الذي يعتبر أحد أهم المصادر الموثوقة حول تاريخ مدينة دمشق، حيث يقول متحدثاً عن هذه الصخرة : "وصف ابن بطوطة الربوة قائلاً هي من أجمل مناظر الدنيا ومتنزهاتها، وهي واد مرتفع عن سطح دمشق، وآخره فيه صخرة عالية إلى أيسر القادم إلى دمشق اسمها المنشار، وصارت لها منذ نحو أربعين سنة في ذهن الناس صورة عاطفية رومانسية، فالداخل إلى دمشق يرى قبل دخوله إليها كتابة تصافح عينيه  وقد كتبت بأحرف كبيرة ودهان لا يزول كلما غسله المطر يتجدد لمعانه، وهذه الكتابة من جملتين أولهما : اذكريني دائماً، والثانية : لا أنساك".

ويضيف نجاة قصاب حسن حول حقيقة العبارات التي تحملها الصخرة : "نُسجت أساطير حول كاتب هذه الكلمات، وأجمعت كلها على أنها من صنع عاشق مجهول فشل في حبه وقيل أنه انتحر، وقد تحرّيت الأمر بلطف فعلمت إنه عاشق فعلاً، ومن أبناء تلك المنطقة، وقد أحب فتاة فلسطينية لم يزوجه أهلها إياها، ففي ليلة عقد قرانها كتب الكلمتين الأوليين، وفي ليلة زفافها بعثت إليه بأنها لن تنساه فكتب العبارة الجوابية، ولكنه لم ينتحر، ومن يعرفونه يتكتمون حول اسمه وهذا أفضل لتبقى القضية خيالاً حلواً، على كل حال، ومع أن كلا العاشقين مجهول، فإن هذه الجملة توحي بالكثير من الرقة والحنين".

وقد كان من المنطقي أن تُمحى عبارة "اذكريني دائماً" وتبهت ألوانها وتطمس الحروف، بتأثير العوامل المناخية، خاصة بعد مرور كل تلك العقود الطويلة من الزمن، لكن الواقع أن العديد من أصحاب المقاهي والمنتزهات الشعبية في تلك المنطقة أعادوا بالتناوب تحبير العبارة كلما استدعت الضرورة، من أجل استقطاب الناس بخاصة العشاق، فتزدحم هذه الأماكن بالرواد الذين يدفعهم الفضول  لقراءة ما خطه العاشق الكبير على سطح الصخرة الأسطورية.

شاهد أيضاً :

الجمعة، 23 فبراير 2018

يهود السينما المصرية بين الحقيقة والتجني !


كاميليا

مجدداً يتصدى الأستاذ أشرف غريب رئيس التحرير السابق لمجلة الكواكب والأمين العالم الحالي لمركز الهلال للتراث الصحفي للأفكار الشائعة حول نجوم الفن في مصر، وقد اختار هذه المرة موضوعاً مثيراً للجدل ذو أبعاد سياسية وتاريخية، حيث قرر التحقيق في الأساطير التي تحيط بالممثلين اليهود في مصر، وذلك من خلال مؤلفه الجديد الذي حمل عنوان "الممثلون اليهود في مصر"، وقد صرح أشرف غريب أن تدقيق تاريخ الممثلين اليهود في مصر كان عبارة عن مهمة شبه مستحيلة، والسبب في ذلك هو ندرة المعلومات وانتشار الكثير المغلوط منها بين الناس وحتى في الوسط الفني.

وبخلاف ما هو شائع، فإن عدد الممثلين اليهود حتى عقد الأربعينيات الذي أمكن للكتاب حصره، يوازي إن لم يتجاوز عدد الممثلين الأقباط على مدى تاريخ الفن في مصر، بل أن عددهم في بعض الفرق المسرحية، كفرقتي جورج أبيض وسلامة حجازي كان يفوق مثيله من المسلمين، وتتضمن كل فصول الكتاب إشارات إلى صعوبة تقصي الحقائق عن هؤلاء الممثلين والممثلات، ورغم ذلك فإن الكاتب أصر على السعي للكشف عن التاريخ الحقيقي لهؤلاء وذلك على حسب قوله : "باعتبارهم جزءاً من الحركة الفنية في بلادنا يجب أن يوضع في حجمه الطبيعي دون إفراط في تقدير حجم هذا الدور كما يفعل مناصرو إسرائيل أو تفريط فيه كما اعتاد الباقون".

وقد كانت نكبة فلسطين وقيام الكيان الصهيوني عام 1948 نقطة فاصلة في تاريخ الممثلين اليهود في مصر، حيث يقول الكتاب : "منذ أن غيبت السياسة والأطماع العنصرية الممثل اليهودي عن المشهد الفني في مصر، ومع مرور السنين، أصبح الغموض مسيطراً على أي حديث عن هؤلاء، وباتت المغالطات والأخطاء هي السائدة لدى معظم من تصدوا للكتابة حول تاريخ الفنانين اليهود في مصر".

راقية إبراهيم 


ويعتقد أشرف غريب أن السياسة لعبت دورا في اختفاء المعلومات عن الفنانين اليهود في مصر، حيث يقول : "ربما تم إخفاء المراجع الدقيقة عن علاقة اليهود بالفن في مصر والعالم العربي لأسباب تتعلق بالحساسية السياسية التي صاحبت الصراع العربي الإسرائيلي حتى أن نجمة كبيرة في حجم راقية إبراهيم لا أحد يعرف عنها شيئاً حقيقياً متفقاً عليه منذ غادرت مصر عام 1954".

ومن بين المغالطات الشائعة التي يفندها الكتاب يهودية النجم عمر الشريف، حيث يكشف خطأ هذا الاعتقاد ويؤكد أن عمر الشريف كان مسيحياً مارونياً، وتحول إلى الإسلام مطلع الخمسينيات عند اقترانه بفاتن حمامة، ما أغضب والده وأصابه بمرض السكري.

كما راج في مصر اعتقاد أن الممثلة والراقصة اليونانية كيتي التي اتُهمت بالتخابر لصالح إسرائيل كانت يهودية، غير أنها كانت في الواقع مسيحية كاثوليكية، وقد غادرت مصر بصورة طبيعية منتصف الستينيات عائدة إلى بلادها اليونان، وذلك بحسب ما أكده للكاتب الملحق الثقافي اليوناني السابق في القاهرة، وصديقتها الفنانة نجوى فؤاد.

وبحسب الكتاب فإن معظم  الممثلين اليهود حرصوا على تغيير اسمائهم، فراشيل إبراهام أصبحت راقية إبراهيم، وليليان فيكتور كوهين أصبحت كاميليا، وهينريت كوهين غيرت اسمها إلى بهيجة المهدي، وتوجو مزراحي إلى أحمد المشرقي، ونظيرة موسى شحادة إلى نجوى سالم، ويضيف شارحاً السبب وراء ذلك : "الأسباب لم تكن دينية أو اجتماعية أو حتى سياسية، بل لأسباب فنية تستهدف السعي للبحث عن اسم شهرة أكثر سهولة".

سعاد زكي


ويكشف الكتاب عن أنه من بين كل الممثلين اليهود الذين عرفتهم مصر، لم يهاجر منهم إلى إسرائيل سوى ثلاث ممثلات وهن : سرينا إبراهيم أخت الممثلة نجمة إبراهيم، وجراسيا قاصين شقيقة الممثلة صالحة قاصين ، وكذلك المطربة والممثلة سعاد زكي، ويضيف مؤكدا : "أن كل من نجمة وصالحة تبرأتا من اختيهما وظلتا ترفضان الحديث عنهما بعد هجرتهما، بينما عاشت سعاد زكي حياة قاسية بعد هجرتها وذلك بعد أن كانت واحدة من ألمع مطربات عصرها في مصر".

وبالنسبة إلى ليلى مراد يقول الكتاب أن فرعاً من أسرتها هاجر إلى إسرائيل منذ أكتوبر تشرين أول 1949، وقد ظل هذا الفرع حتى وفاتها لا يعترف بإسلامها، بل بذل محاولات مضنية للتواصل معها وإقناعها بالهجرة إلى إسرائيل والعودة إلى ممارسة الطقوس اليهودية ، لكنهم اعترفوا بأنهم لم يجدوا منها سوى الصد، ويضيف الكتاب أن الأكثر دهشة هو أن أولاد عمومة ليلى مراد المقيمين في إسرائيل لا يعترفون بإسلام ابنيها أشرف أباظة وزكي فطين عبد الوهاب، وينتظرون عودتهما إلى أرض الميعاد على حد تعبيرهم، وذلك رغم أن كلا من أشرف وزكي مولودان من أبوين مسلمين !

ليلى مراد

ويحقق الكتاب الروايات الشائعة حول اضطهاد الحكومة المصرية بعد ثورة تموز يوليو 1952 للممثلين اليهود، ويضرب مثالاً بما تردد عن دور حكومة الثورة في الترويج لوجود علاقة بين الملك فاروق والفنانة اليهودية كاميليا، حيث يؤكد الكتاب أن العلاقة كانت قائمة بالفعل ولم تقم حكومة الثورة بأي دور في استغلال العلاقة لتشويه سمعة الملك وإثبات أنه كان فاسداً.

وحتى سنوات قريبة ظلت الصحافة الإسرائيلية تتحدث عن أن الفنانة اليهودية نجوى سالم لم تعتنق الإسلام بل ماتت يهودية وأنها كانت تميل إلى إسرائيل. غير أن الكتاب يسرد أدلة عديدة على أنها ماتت مسلمة، ولم يمنعها أصلها اليهودي من أن تؤدي دورا وطنياً نالت عنه احتراماً وتقديراً شمل تكريماً من الرئيس الراحل أنور السادات بسبب دورها الداعم للجيش المصري خلال حرب تشرين الأول أكتوبر 1973.

وفي الختام يؤكد الكاتب إنه لم يكن معنياً بأن يلبس أحداً من الممثلين اليهود في مصر ثوب البطولة أو ينزع عن غيره وطنيته، ويوضح أن هدفه هو الحقيقة فقط ولا شيء غيرها في هذا الملف الذي يحيط به الكثير من الغموض، وهو يرى أن هؤلاء الممثلين الآن فى ذمة التاريخ أمام المصريين والعرب الذين ربما يسمعون أسماء بعض هؤلاء الممثلين اليهود للمرة الأولى .

شاهد أيضاً :