الأحد، 10 مارس 2019

سعاد حسني تذهب إلى أفغانستان !


سعاد حسني في لقطة نادرة من فيلم "أفغانستان لماذا"

عشية عيد الميلاد عام 79 اهتز العالم على وقع دخول الدبابات السوفييتية إلى العاصمة الأفغانية كابول، هذا الدخول الذي أعلن السوفييت بأنه أتى بناء على طلب حكومة أفغانستان الإشتراكية وذلك للتصدي لمؤامرة "إمبريالية" كانت تحاك في الخفاء للإطاحة بها، في حين اعتبرت أميركا ذلك التدخل "غزواً" وحذا حذوها عدد من حلفائها من الدول العربية والإسلامية وفي مقدمتهم السعودية ومصر وباكستان. 

تلك الأحداث الدراماتيكية التي وقعت أواخر العام 79 شكلت بداية المأساة الأفغانية التي ما زالت فصولها تتواصل تباعاً حتى يومنا هذا حيث ما تزال الصراعات الدامية تعصف بذلك البلد الواقع في وسط آسيا والذي قدر له بحكم موقعه أن يكون ساحة للصراع بين الشرق والغرب وبين الإيديولوجيات المتصارعة من يسارية وراسمالية وإسلامية أصولية. 


الجنود السوفييت في أفغانستان

وعلى ما يبدو فإن التناول الحيادي للمأساة الأفغانية قد ظل دائما ًمن المحرمات، فحين ظهر عام 2004 مسلسل درامي بعنوان "الطريق إلى كابول" من إنتاج تلفزيون قطر، لم تعرض من المسلسل سوى بضع حلقات، سحب بعدها المسلسل من الشاشات واختفى تماماً مرةَ إلى والأبد دون أي توضيح مقنع من صنّاع العمل. 

وما قبل "الطريق إلى كابول" بعشرين عاماً، تحديداً عام 84 حين كانت الحرب الأفغانية في أوج اشتعالها، قرر المخرج والسيناريست المغربي عبدالله المصباحي إنتاج عمل سينمائي بمواصفات عالمية أسماه "أفغانستان لماذا؟"، واختار لهذا الفيلم عدداً من الممثلين العرب والأجانب من أبرزهم سندريلا الشاشة العربية سعاد حسني و الفنان القدير عبد الله غيث والنجمة اليونانية ايرين باباس والممثل الفرنسي مارسيل بوزوفي. 

قصة الفيلم كانت تدور حول أستاذ في جامعة كابول (عبدالله غيث) يناهض الغزو السوفيتي، حيث يقود مجموعة من المواطنين من كابول إلى بيشاور على الحدود مع باكستان، وفي طريقهم ينشر الأستاذ الجامعي دعوته للتصدي إلى الاحتلال، وخلال فترة قصيرة تصبح هذه الزمرة الصغيرة قوة كبيرة تضم الآلاف ممن قرروا تحدي السوفييت وطردهم من أفغانستان، ولكن سرعان ما تنفجر الخلافات بين الأفغان أنفسهم، فكل فريق يريد أن يستولي على السلطة لنفسه وتكون له الكلمة العليا، هذا الصراع هو الذي سيسهل اختراق المخابرات الأمريكية لهذه المجموعات الأفغانية المقاومة حتى أصبحت في النهاية ألعوبة بين يديها. 


صورة من كواليس الفيلم الذي شارك فيه نجوم عرب وعالميون

أما سعاد حسني فقد لعبت دور فتاة أفغانية تساهم في أعمال المقاومة وتتحدى الغزو السوفييتي لبلادها، وقد منعت سعاد حسني من المشاركة في مهرجان موسكو السينمائي الدولي لعام 84 بسبب مشاركتها في هذا الفيلم. 

تمويل الفيلم جاء من بعض الأثرياء السعوديين، وقد بدأ تصوير الفيلم بالفعل في مدينة تطوان، وكان من المفروض أن تكون مدة عرض الفيلم 3 ساعات، وبالفعل تم إنجاز 70% من المشاهد، أي قرابة ساعتين ونصف، ولم يتبق إلا مشاهد المعارك التي تعتمد على السلاح الثقيل والدبابات وشاحنات الجيش والتي كانت ستستغرق النصف ساعة المتبقية، إلا أن الجيش المغربي رفض أن يتم استخدام آلياته العسكرية في الفيلم، فتوقف التصوير وثار الممولون السعوديون وطالبوا باستعادة أموالهم وتعطل تصوير الفيلم تماماً، في وقت تكالبت فيه المشاكل على المصباحي، خاصة بعدما قرر المركز المغربي السينمائي سحب ترخيص عمله كمخرج وإغلاق شركته السينمائية، كما قام بحجز الأجزاء التي تم تصويرها من الفيلم معلناً حظر عرضه، ومنذ ذلك الحين والفيلم الذي لم يكن المصباحي يملك أي نسخ أخرى منه  حبيس ومعتقل داخل أدراج المركز السينمائي المغربي !


سعاد حسني بالزي التقليدي الأفغاني

في عام 2005 حاول المصباحي إعادة إحياء الفيلم حين أعلن أنه بدأ تصوير الجزء الثاني منه، دون أن يوضح كيف يصور جزءاً ثانيا من فيلم لم يعرض جزؤه الأول حتى الآن، وتسربت حينها أنباء عن أن المصباحي وُعد بإطلاق سراح فيلمه القديم، إلا أن أخبار الفيلم اختفت مجددا ولعدة سنوات، قبل أن تعود وبقوة في عام 2013 حين أعلن المصباحي أن فيلمه القديم سوف يرى النور مؤكدا أن الظروف والملابسات التي كانت سبباً وراء منعه طوال هذه السنوات زالت ولم يعد لها وجود، وأوضح المصباحي في وسائل الإعلام المصرية والمغربية أنه قام بتصوير مشاهد جديدة لإضافتها للفيلم، وأدخل تعديلات جوهرية على أحداث الفيلم ليكون مواكباً للتغيرات التي شهدها العالم منذ الثمانينات وحتى الآن، كاشفاً أنه أضاف مشاهد تؤرخ لفترة ما بعد الانسحاب السوفييتي وظهور حركة طالبان وتنظيم القاعدة، وكذلك الحرب الأمريكية على أفغانستان وما جرى في معتقل جوانتانامو، في محاولة منه لربط الماضي بالحاضر، لافتاً إلى أنه غير إسم الفيلم إلى "أفغانستان الله وأعداؤه". إلا أن الفيلم أيضا لم يظهر للنور بالرغم من تصوير مشاهد جديدة رفعت الميزانية الإجمالية التي صرفت على الفيلم في المرتين إلى 25 مليون دولار، وبالرغم من ذلك لم يتوقف المصباحي عن الحديث عن قرب عرض الفيلم في دور السينما، متوقعاً أن يحدث الفيلم في نسخته الجديدة ضجة عند عرضه، وظل المصباحي يؤكد دون كلل أو ملل أن الفيلم بات جاهزاً للعرض وأنه وضع له اللمسات الأخيرة، وينتظر فقط أن يعرض في دور السينما، إلى أن توفي المصباحي إلى رحمة الله في 16 أيلول سبتمبر 2016، دون أن يعرض الفيلم أو يشاهد الجمهور منه ولو مشهداً واحداً !

شاهد أيضاً :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق