الاثنين، 15 مايو 2017

أم كلثوم و ذكرياتها مع الشام و أهلها




قدمت سيدة الغناء العربي أم كلثوم إلى دمشق صيف 1931 من اجل تقديم ثلاث حفلات في حديقة المنشية بالهواء الطلق، و كانت قيمة البطاقة "ليرة ذهب رشادية" و هو مبلغ معتبر بمقاييس تلك الأيام، مما أجبر بعض محبيها أن يبيعوا سجاد منازلهم، أو يرهنوا مصاغ زوجاتهم، حتى يتمكنوا من حضور الحفل ومشاهدة أم كلثوم شخصياً.

و بمجرد وصول كوكب الشرق إلى مشارف العاصمة عن طـريق بيروت القـديـم، كان في استقبالها آلاف الدمشقيين يتقدمهم الزعيم الوطني المعروف فخري البارودي، وأمين العاصمة، ومدير الشرطة و الأمن العام، ونخبة من رجالات التجارة و الصناعة والاقتصاد، و محررو الصحف الخاصة، وسيدات يمثلن الجمعيات النسائية بدمشق، و طلبة المدارس.

انتقلت أم كلثوم وسط هذا الزحام البشري غير المألوف في الحياة اليومية الدمشقية إلى فندق أمية، وهناك كان في انتظارها مجموعة من الشباب المتزمت قابلوها بالقدح والذم في المساء قبل بدء الحفل، و رشقوها بنثرات الفضة محاولين احراق وجهها ومطالبين إياها بإلغاء الحفـل و "الاحتشام"، وطالبوها أيضاً أن تضع حجاباً على رأسها.

غضبت ام كلثوم من هذا التصرف و بسببه قاطعت دمشق لسنوات طويلة، و قد روت بنفسها هذه القصة للرئيس ناظم القدسي عندما استقبلها في مطار دمشق في أيلول سبتمبر 1955، مبررة غيابها الطويل عن الشام و أهلها، و قد عوضتها دمشق بوسام الاستحقاق من الدرجة الأولى واستقبال باهر في المرة الثانية في حفلات لا تنسى على مسرح سينما دمشق ومعرض دمشق الدولي ومدرسة اللاييك استمرت حتى ساعات الفجر الأولى، حيث غنت لجمهورها السوري : ذكريات، شمس الأصيل، نهج البردى، يا ظالمني ، عـودت عيني، جددت حبك، و الكثير غيرها من الروائع الكلثومية.


لم تزر أم كلثوم دمشق بعد انفصام عرى الوحدة بين سوريا ومصر لكنها بقيت على محبتها و وفائها للشعب السوري، تتذكر ما هو طيب وتتناسى ما هو مسيء، و حتى وفاتها عام 1975 كانت ام كلثوم تطلب من أي صديق يزور دمشق : "والنبي .. عايزة اسطوانات لصباح فخري !".


بتصرف عن صفحة "وشوشات شامي عتيق" على موقع فايسبوك 

شاهد أيضاً :

هكذا ولدت أغنية : "حلوة بلادي السمرا بلادي"




يعتبر الشاعر الراحل عبد الرحيم منصور إبن صعيد مصر أحد أبرز شعراء العامية المصرية في جيله، و قد كتب خلال مسيرته كلمات أكثر من 200 أغنية أكثرهم  في الفترة الواقعة ما بين حرب الإستنزاف و حتى نصر 73، و كان الموسيقار بليغ حمدي شريكه في معظم هذه الأغاني، حيث كان هذا الثنائي يمتلك رؤيا تقول أن الأغنية لا تنتهي عند ترديدها على ألسنة الناس وإنما هي مثل الجندي الذي يقاتل على الجبهة، فالأغنية رسالة و لابد أن تصل هذه الرسالة إلى جميع الناس بكل فئاتهم وطوائفهم ومستوياتهم الاجتماعية.

و حين شن الجنود المصريون و السوريون هجومهم الخاطف على القوات الإسرائيلية في جبهتي سيناء و الجولان ظهيرة السادس من تشرين الأول أكتوبر 1973، كان عبد الرحيم منصور يومها في منزله يحاول أن ينال قسطاً من الراحة بعد أن أمضى عدة أيام مع بليغ حمدي في مبنى الإذاعة يسجلون بعض الأغاني، و ما كاد يغمض عينيه حتى سمع صوت طرق شديد على الباب يكاد يحطمه، فقفز من فوره و ركض إلى الباب ليفتحه، و إذا ببليغ متهلل الأسارير يقول له : "اصحى وصحصح وفتح عينك يا رحمي احنا عبرنا و انتصرنا"، فأجابه عبد الرحيم : "آآآآآه يا بوووووي .. نفسي كنت ابقى في البلد دلوقتي"، فقاطعه بليغ قائلا : " كنت هتعمل ايه يا رحمي لو كنت في البلد دلوقت"، فقال له : " يا بوووووي ... كنت همسك الربابة واتني اغني بيها في كل البلد"، ققال له بليغ في اثارة شديدة : "اكتب دا بسرعة يا عبد الرحيم .. خد ورقة وقلم واكتب"، وبالفعل كتب عبد الرحيم منصور من فوره :

وانا على الربابة بغني
ما املكش غير انى اغني واقول
تعيشي يامصر
 وانا على الربابة بغني واقول
ما املكش غير غنوة امل للجنود
 أمل للنصر
ليكي يا مصر ليكي يا مصر
حلوة بلادي السمرا بلادي الحرة بلادي .. 

و هكذا كان مولد أغنية "حلوة بلادي السمرا بلادي" التي أنشدها صوت وردة الجزائرية، و تغنت بها أجيال من المصريين. 


محمد علي و أصل تسمية الـ"يوسف أفندي" !




كان طوسون أحب أبناء والي مصر محمد علي باشا إلى قلبه، و قد أرسله إلى الحجاز على رأس الحملة التي كانت مكلفة بإخماد تمرد الوهابيين على الدولة العثمانية، و كان سن طوسون وقتها لا يزيد عن 18 عاماً، و مع هذا تمكن طوسون من إنزال هزيمة منكرة بالوهابين و حلفائهم فاستعاد منهم مكة و المدينة و أرسل مفاتيح الكعبة إلى والده محمد علي باشا، و لكن حين لاقت الحملة صعوبات خطيرة بسبب الهجوم المضاد الذي شنه الوهابيون سافر محمد علي باشا بنفسه ليساند ابنه، و حين عاد طوسون إلى مصر في 29 أيلول سبتمبر سنة 1816 ، قرر محمد علي إقامة مأدبة كبيرة واحتفالات عظيمة فرحاً برجوع ابنه الأثير إلى قلبه، ولكنه فوجئ في بداية الإحتفالات بإصابة طوسون بمرض الطاعون الذي فتك به في أقل من 24 ساعة فتوفي و هو بعد في الثانية و العشرين من عمره، ففطر قلب أبيه الذي حزن عليه بشدة.

ولإهتمام محمد علي باشا الكبير بالزراعة، إستحضر إلى مصر من تركيا أشجار العنب والتوت والتين والليمون، و قام بتخصيص 100 فدان بالقرب من حديقة شبرا لزراعة النباتات الأوروبية والآسيوية، و كان محمد علي باشا قد أرسل مجموعة من الشبان المصريين ليتعلموا أصول الزراعة في الخارج، ليعودوا و يعلمونها للفلاحين المصريين، و من بين من تعلموا بالخارج كان هناك طالب يدعى يوسف أفندي و قد أتى ببعض أشجار الفاكهة الجديدة التي اشترى مقداراً كبيراً منها من سفينة بالقرب من مالطا كانت قادمة من الشرق الأقصى، و حين عاد الطلبة إلى مصر استقبلهم محمد علي باشا شخصياً بالإسكندرية،  و كان يوسف أفندي  يحمل طبقاً من الفاكهة الجديدة قدمها إلى محمد علي باشا الذي أعجبه طعمها فسأل الطالب ماذا سيكون اسمها في مصر فأجاب : "نسميها طوسون باشا"، فتأثر محمد علي من هذه البادرة، وقال له:  "حسناً سوف نسميها يوسف أفندي"، وأمر محمد علي أن تخصص أراضي نبروه بالدقهلية ليوسف أفندي حتى يشرف على زراعتها بنفسه، ومنذ ذلك الحين أصبح الإسم الشائع لهذه االثمرة هو "يوسف أفندي".

شاهد أيضاً :

السبت، 13 مايو 2017

هل احتفى الأدب العربي بالمثلية الجنسية ؟





غالباً ما ينظر إلى المثلية الجنسية في عصرنا الراهن على أنها ظاهرة طارئة وردت حديثاً من الغرب إلى مجتمعاتنا المحافظة مع تطور التكنولوجيا و وسائل الاتصال الحديثة التي حملت إلينا كل ما في العالم من منافع و موبقات في آن معاً، إلأ أن المرء قد يفاجئ حين يجد أن للمثلية الجنسية جذورها التي تمتد لقرون خلت في الثقافة العربية  و التي يمكن لنا أن نقتفي أثرها بشكل خاص في كتب الشعر و الأدب و أخبار الملوك و الخلفاء، و فيما يلي نورد لكم بعض الأمثلة من الأدب العربي في العصرين العباسي و المملوكي، و التي ما هي إلا غيض من فيض الكتابات التي تناولت هذا الموضوع الذي يراه كثيرون محرماً اليوم : 

الأمين و كوثر : 

كان الخليفة الأمين ابن هارون الرشيد واحداً من الخلفاء الذين عرفواً بمثليتهم الجنسية، فقد امتنع ن معاشرة النساء سواء الاحرار أو الجواري، وابتاع لنفسه عدداً كبيراً من الغلمان وجعلهم لخلوته في ليله ونهاره، أما زبيدة والدة الامين فقد حاولت تحبيب ابنها بالنساء فألبست الجواري الحسان لباس الغلمان وأمرت كل جارية أن تقص شعرها على شاكلة الذكور، إلا أن هذا لم يجدي نفعاً مع الأمين الذي ظل على تعلقه بالغلمان. 

و من بين غلمان الأمين غلام وسيم كان إسمه كوثر، استطاع أسر قلب الخليفة، إذ هام حباً به، حتى أنه نظم به الشعر فقال:


ما يريد الناس من صب بما يهوى كئيب
 كـوثـر ديني ودنـيـاي وسقـمي وطبـيبـي
أعجز الناس الذي يلحي محباً في حبيبِ

ويقال أنه حين حاصر المأمون بغداد لخلع أخيه الأمين، أصيب كوثر في وجهه فركض الأمين إليه وهو يقول : "ضربوا قرّة عيني ومن أجلي ضربوه، أخذ الله لقلبي من أناس حرقوه". 


أبو نواس و الخمر و الغلمان : 

من منا لا يعرف أبا نُوَاس شاعر الخمر الأول في تاريخ الأدب العربي، فهو القائل : 

دع المساجد للعباد تسكنهـا
 وطف بنا حول خمار ليسقينـا 
ما قال ربك ويل للذين سكروا
 وإنما قال ويل للمصلينــــــــا

و أبو نواس كان واحداً من أوائل الشعراء العرب الذين جاهروا بمثليتهم، و له في هذا الصدد قصص و حكايا أكثر من أن تعد في هذه العجالة، من بينها قصته مع شاب يدعى جمال الكوفي، أعجب به أبو نواس فكتب فيه شعراً،  فلما قرأه جمال غضب وقال: ويلي عليه ابنُ الزانية شاربُ الخمر! ، ثمَّ أرسل لأبي نُوَاس: والله ما هجوتك ولكني أقتلك بخنجري هذا ! ، ولما علم أبو نواس برد جمال الكوفي ضحك و كتب إليه:

يا مُوعِدي القتلَ ظلماً، لقد
خالفَتْكَ في الخنجر كفَّيكا
ما خنجرٌ يقتــــــلني سيـــــــدي
أُقتلُ من تفتيــــــــــر عينــيكــــا
يا من دعا قلبي إلى حبــه
فقلتُ: لبَّيكَ و سعديكا
هبْ لي –ولا تبخل- ياسيدي
فترةً ما بين فخذيكا !


الجاحظ و "مُفاخرة الجواري والغلمان" :

و للأديب العربي الكبير أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ كتاب معروف إسمه "مُفاخرة الجواري والغلمان" تطرق فيه بكثير من الإسهاب إلى انتشار المثلية الجنسية في المجتمع العباسي و أورد فيه أمثلة كثيرة من الشعر الذي قيل في معاشرة الغلمان و معظمه شعر فاضح بمقايس أيامنا هذه لذلك نمنتع عن نشر أي شيء منه، و نكتفي بما قاله الجاحظ في كتابه شارحاً بعض أسباب تفضيل معاشرة الغلمان على معاشرة الجواري : "أيسر ما فيه من مفاضلةٍ أمْنُكَ من طمثه ومن حبلهِ، وهذا قليلٌ من كثير ما قالوا، فقد قالت الشعراء في الغلام في الجدّ والهزل فأحسنوا، كما قالت الشعراء في الغزل والنَّسيب".


الواثق و مهج : 

أما الخليفة الواثق ابن المعتصم تاسع الخلفاء العباسيين، فقد عرف هو الآخر بحبه للغلمان، و بخاصة لغلام يدعى مهج، خطف لب الخليفة الذي قال فيه : 

مهج يملك المهج
بسجى اللحظ والدعج
 حسن القد مخطف
ذو دلال وذو غنج 
ليس للعين إن بدا
عنه باللحظ منعرج

و ذات صباح بينما كان الواثق جالساً بين حاشيته، جاءه مهج متـثـنياً، منكسر النظرة، مترنح الخطوات، مترجرج الأعطاف، يناوله ورداً ونرجساً، فأنشده الخليفة قائلاً : 

حياك بالنرجس والورد
معتدل القامة والقد
فألهبت عيناه نار الهوى
وزاد في اللوعة والوجد
أملت بالملك له قربه
فصار ملكي سبب البعد 
ورنحته سكرات الهوى
فمال بالوصل إلى الصد
إن سئل البذل ثنى عطفه
وأسبل الدمع على الخد
 غر بما تجنيه ألحاظه 
لا يعرف الإنجاز للوعد 
مولى تشكى الظلم من عبده
فأنصفوا المولى من العبد


ابن الوردي و نقد المثلية : 

عاش ابن الوردي في معرة النعمان في القرن الرابع عشر زمن المماليك، و كان فقيهاً و عالماً و أديباً، و كما يبدو من كتاباته فقد كانت المثلية الجنسية منشرة بكثرة في زمنه، فكتب منتقداً هذه الظاهرة : 

مَن قال بالمرد فاحذر أن تصاحبه
 فإنْ فعلت فثق بالعار والنار
بضاعة ما اشتراها غير بائعها
 بئس البضاعة والمبتاع والشاري
يا قوم صار اللواط اليوم مشتهراً